back to top
المزيد

    من داخل الدولة الاسلامية: إنشاء أمة من الخوف

    زينة كرم، فيفيان سلامة، برام يانسن، و لي كيث

    الموصل، العراق-   في داخل الدولة الإسلامية، على الشخص أن يحمل الورقة التي تثبت “التوبة” عن جميع أفعال الماضي التي تخصه في جميع الأوقات، وأفصح كثير من الناس أنهم يقومون بذلك لتأمين حياتهم إذ يمكن أن تمثل هذه الورقة الفرق بين الحياة والموت.

    تعلّم بلال عبد الله هذه الحقيقة بعد مدة ليست بطويلة بعد سيطرة المتطرفين على قريته العراقية، أسكي الموصل، قبل حوالي عام. بينما كان يسير في الشارع، سأل احد مقاتلي الدولة الإسلامية في شاحنة صغيرة عن الاتجاه إلى مسجد محلي، وعندما لم يعرف عبدالله اسم المسجد، أصيب المقاتل بالشك.

    “قال لي: إنّ إيماني ضعيف، وتساءل: هل تصلي؟ ” قال عبد الله، ثم طلب المقاتل أن يرى “بطاقة التوبة”. وكان عبد الله يعمل كشرطي حتى استيلاء داعش على الموصل، وعلى رجال الشرطة والجنود الذين كانوا مع الدولة أن يحملوا بطاقة توبة،وكذلك هو الحال بالنسبة للعديد من الموالين السابقين للحكومة أو موظفيها – حتى مدرسي اللغة الإنجليزية السابقين، لأنهم درّسوا لغة “محرمة”، وخياطي الملابس النسائية لأنهم يخيطون باستخدام تصاميم تعد غير إسلامية.

    وكان عبد الله قد ترك بطاقته في المنزل، ومن شدة الرعب قام بارسال ابنه لاحضارها.

    قال عبد الله لوكالة أسوشيتد برس”إنهم أناس وحشيون”، “سيتهمونك بالكفر لأبسط شيء.”

    تمتد “خلافة” الدولة الإسلامية التي تم الاعلان عنها قبل عام عبر شمال سوريا وعبر جزء كبير من شمال العراق وغربه. تم قتل أعداد لاتحصى من الناس لتشكيلهم تهديداً لداعش أو لاعتقادهم بتشكيلهم لتهديد ما. يعيش الآن ما يقرب من 5 إلى 8ملايين شخص تحت سلطة النظام الذي قلب عالمهم رأسا على عقب، ووسع نطاق سيطرته على كل ركن من أركان الحياة لفرض تفسيرهم المتطرف للشريعة الإسلامية.

    في الدولة الإسلامية يقوم الرجال بإخفاء رائحة السجائر بواسطة الكولونيا لأنّ التدخين محرم، وعلى سائقي سيارات الأجرة والسيارات العادية الاستماع إلى المحطة الإذاعية لداعش، لأنّ من يشغل الموسيقى يصبح معرضاً لتلقي 10 جلدات، وفي هذه الدولة يجب على المرأة أن تغطي نفسها تماما باللون الأسود وألّا ترتدي إلّا الأحذية المسطحة من دون كعب، وفي هذه الدولة يتم رمي الناس من المباني العالية للاشتباه في شذوذهم الجنسي، ويجب أن تغلق المحلات أبوابها أثناء الصلاة، وعلى الجميع في الشارع أن يحضر للصلاة.لا توجد وسيلة آمنة للخروج، إنّ اختفاء الناس يظهر بشريط فيديو لقطع رؤوسهم، شهادة وفاةغير معرفة، أو لا شيء على الإطلاق.

    قال رجل سوري يبلغ من العمر 28 عاما والذي طلب عدم نشر اسمه وأن يُعرف فقط من خلال لقب يستخدمه في النشاط السياسي،عدنان، من أجل حماية عائلته التي لا تزال تعيش تحت ظل داعش ، “يكرههم الناس، لكنهم يئسوا، و لا يرون احتمالية أن يقوم أي شخص بدعمهم على قتال داعش إذا ما قاموا بالنهوض” “يشعر الناس أن لا أحد معهم.”

    أجرت وكالة اسوشييتد برس مقابلات مع أكثر من 20 عراقياً وسورياً من الذين نجوا من الحياة في ظل حكم الجماعة. سافر فريق من وكالة اسوشييتد برس إلى بلدات عدة في شمال العراق، بما في ذلك أسكي الموصل، شمال الموصل، إذ خرج السكان لتوهم مما يقرب من سبعة أشهر من سيطرة داعش. سافر فريق آخر من الوكالة إلى المدن التركية على طول الحدود، حيث لجأ السوريون الذين فروا من سيطرة التنظيم.

    ما يلي هو بناء على شهاداتهم، إذ تم التحقق من الكثير منهم من قبل أشخاص عديدين، فضلا عن وسائل الإعلام الاجتماعية  لداعش وعمليات البث والوثائق التى حصلت عليها وكالة اسوشييتد برس، بما في ذلك نسخ من بطاقات التوبة، ومخزون الأسلحة، والمنشورات التي تحتوي على تفاصيل القواعد التي يجب على النساء إتباعها، والسماح للناس بالسفر خارج أرض الخلافة. كل هذه كتب عليها لافتة سوداء وشعار داعش “خلافة على منهاج النبوة”.تشير الصورة في الرسم إلى أراضي الدولة الإسلامية، ذات مساحة تعادل تقريبا مساحة سويسرا، و التي تطورت إلى دولة شبه راسخة، دولة تقوم على أساس بيروقراطية الإرهاب.

    الاستيلاء

    في كانون الثاني 2014، عندما سيطرت جماعة الدولة الإسلامية على مدينة الرقة السورية ، هرب عدنان خوفا من أن يجعله عمله كناشط سياسي هدفا لداعش، ولكن بعد بضعة أشهر من فقدان عائلته، عاد ليرى ما إذا كان يمكن له أن يتحمل الحياة في ظل المتطرفين.

    وجد عدنان أن الرقة قد تحولت من مدينة عالمية ملونة إلى العاصمة الفعلية للدولة الإسلامية، حيث تهرع النساء مغطاة باللون الأسود من الرأس إلى أخمص القدمين بسرعة إلى الأسواق قبل العودة إلى المنزل، ويتجنب الشبان المقاهي التي ارتادوها في الماضي. قام مقاتلو داعش بتحويل ملعب كرة القدم في المدينة إلى سجنٍ ومركزٍ للاستجواب، والمعروف باسم “نقطة 11”.يشار الآن إلى واحدٍ من الساحات المركزية في المدينة باسم ساحة الجحيم.

    سرعان ما علم لماذا، حيث سمع طلقات نارية احتفالية في أحد الأيام ورأى جثثاً لثلاثة رجال تتدلى من أعمدة في ساحة الجحيم، قال لوكالة اسوشييتد برس أنّ الجثث تركت هناك لثلاثة أيام وهو يقوم بالتدخين في مقهى في غازي عنتاب، وهي بلدة تقع على الحدود التركية، ومليئة بالسوريين الذين يعيشون في المنفى.وقال أنّ منطقة الإرهاب التي هرب منها قد ازدادت سوءا فقط.وفي كل مرة تدير الدولة الإسلامية مجتمع ما، فان النمط مماثل تقريبا، كما وجدت وكالة اسوشييتد برس، نمطاً منهجياً بقدر ما هو دموي.

    تأتي أولاً الموجة الأولى من عمليات قتل أفراد الشرطة والجيش، ثم يسعى المقاتلون غالبا إلى الحصول على دعم محلي من خلال الإسراع بإصلاح خطوط الكهرباء والماء، ويدعون البيروقراطيين للعودة إلى العمل، ويقوم موظفو الحكومة والجنود السابقون ورجال الشرطة بالتوقيع على أوراق “التوبة” ويسلمون أسلحتهم أو يدفعون غرامات تصل في بعض الأحيان إلى عدة آلاف من الدولارات.

    تنص الكثير من الإعلانات من خلال مكبرات الصوت، وخطب المساجد والمنشورات، على لوائح جديدة يجب عدم الخروج عنها: منها ممنوع التدخين،والكحول، ولا للمرأة العاملة باستثناء الممرضات أو في محلات الملابس النسائية، إذ يتم تغطية العارضات في واجهات المتاجر. وقال السكان انه وجب عليهم بناء جدران خارج منازلهم حتى لا يُنظر إلى النساء في الداخل.

    في كل حي، يوجد “أمير” معين يعمل كناشط محلي. تم غلق المدارس، ثم إعادة فتحها مع مناهج مكتوبة من قبل داعش. وتفرض الضرائب على الشركات وتم إعطاء أصحاب الصيدليات دورات في الشريعة ومُنِعوا من بيع وسائل منع الحمل. وقال عدد من الذين تمت مقابلتهم، أنّه في معظم الأماكن فإنّ القبائل أو الأسر أعلنت الولاء للجماعة لتحقيق مكاسب أو امتيازات.

    بقي عدنان في الرقة لمدة سنة تقريبا، يراقب كيف عمّت ممارسات المتطرفين تقريبا على كل جانب من جوانب الحياة. وقد جاءت سلطات داعش إلى مخزن قطع غيار السيارات الذي تمتلكه عائلته وطالبت بضريبة تعادل 5000 $، وقال عدنان أنّ الجماعة تعيش وضعاً اقتصادياً جيداً بشكل واضح مع المال الذي تجبيه من فرض الضرائب على الشركات، ومصادرة الأراضي من أولئك الذين فروا، والمبيعات من حقول النفط التي تمت السيطرة عليها شرقا في سوريا.وقال أنّ الجماعة تشجع على التجارة عبر اراضي “الخلافة”،  على سبيل المثال، نقل الإمدادات والخضروات و الاسمنت من تركيا، من خلال الرقة، ثم إلى الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق.

    ثم أدى نشاط عدنان ودعمه المتمردين السوريين إلى العديد من الأخطار ففي يناير، داهمت دورية منزل عائلته، وصادرت حاسوبه وألقت القبض عليه لنشره مقالات على الانترنت قالوا أنها تشجع على العلمانية.قال لعدنان عضو في الدورية قبل تحطيم اثنين من أنابيب المياه. “هذا منزل جميل”،”هذا يلوث البيئة”، لـ 55 يوما المقبلة، بقي عدنان في النقطة 11، في ملعب لكرة القدم.

    أستجوب لثلاث مرات في الأيام الأولى، وتعرض للضرب بأنبوب بلاستيكي أخضر، ثم تم نقله من العزل الى زنازين مع سجناء آخرين.

    بعد مدة وجيزة جاءت لحظة مرعبة أخرى. تم جلب واحد من كبار قضاة الدولة الإسلامية في المنطقة، وهو رجل محلي معروف باسم مستعار( أبو علي الشاري)، في أوائل فبراير لتعليم السجناء درساً آخر في الشريعة الإسلامية، حيث تكلم في غرفة تغص بهم، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقال: “اسمع، لقد قلت لك لا، ولكن اليوم فقد حمصنا الكساسبة.” قال عدنان اخرج محرك أقراص فلاش من جيبه، وعرض للاسرى المرعوبين  لقطات من القبض على طيار في سلاح الجو الأردني معاذ الكساسبة و التي يتم فيها حرقه حيا.إنّ شهادة عدنان هي مثال واحد فقط لكيفية استخدام  أشرطة الفيديو التي تبث للعالم عبر الإنترنت أيضا لتخويف الناس تحت حكمهم.

    في سجن الرقة، وظيفة عدنان وهي توزيع الغذاء على السجناء الآخرين أعطته الفرصة لامتلاك نظرة واسعة بشأن كيفية عمل داعش.

    رأى عدنان اثنين من السجناء الأكراد وسمع من بعض الحراس أنّ من المرجح أن يُستخدم هذان الكرديان في أشرطة الفيديو الدعائية باللغة الكردية قبل أن يطلق سراحهما. قال عدنان أنّه رأى أيضا العديد من مقاتلي الدولة الإسلامية الأجانب المحتجزين، ثلاثة أتراك وأوزبكي و روسي ويمني على ما يبدو للاشتباه في قيامهم بالتجسس. تم جلب مقاتلين آخرين لسرقة الغنائم المنهوبة من بلدة كردية في سوريا(كوباني)  بدلا من تقاسمها مع المقاتلين الآخرين. كانت كوباني مسرحا لأكبر هزيمة في سوريا، عندما طردت القوات الكردية المدعومة من الضربات الجوية الامريكية المسلحين بعد أشهر من القتال العنيف.قال عدنان أنّه سمع المحقق يصرخ في المسلحين المعتقلين، “لقد فقدنا 2200 شهيد في كوباني، و انت تذهب للسرقة؟”.

    التقى عدنان الأسير الفلسطيني محمد مسلم، الذي اتهم بأنه جاسوس لإسرائيل. وقال مسلم لعدنان أنّه تم تصويره مرارا وتكرارا في سيناريو الاعدام الخاص به وقال في كل مرة كانوا يصورون الفيديو إذ يقوم طفل بإطلاق النار عليه في الرأس – ولكن في كل مرة كانت البندقية فارغة.قال عدنان”إلى أن تم إعدامه بحق في يوم من الايام”.

    في مارس، أصدرت الدولة الإسلامية شريط فيديو يظهر مقتل مسلم وهو راكع في حقل، إذ يتم إطلاق النار عليه في الرأس من قبل طفل صغير يرتدي الزي العسكري.وقال عدنان أنه يعتقد أن هذا هو السبب الذي يجعل العديد من الضحايا في فيديو التنفيذ يظهرون هادئين جدا. وأضاف “إنهم يكررون الشيء نفسه معهم ل 20 مرة، لذلك عندما تأتي اللحظة الحقيقية، سوف يعتقد السجين أنّه مجرد إعدام وهمي آخر”.

    النجاة من الخلافةاو لا

    في أسكي الموصل، وهي قرية عند منحنى نهر دجلة في العراق، يعيش الشيخ عبد الله إبراهيم في أحد المنازل الكبيرة، وراء أسوار عالية مع حديقة، وبدا متعبا وهو يطلع صحفيي وكالة اسوشييتد برس على شهادة وفاة لزوجته، التي تحتوي على شعار الجماعة الأسود في الأعلى.انه الشيء الوحيد الذي تبقى له منها.

    اجتاحت داعش القرية التي يعيش فيها حوالي 3000 اسرة في حزيران من العام الماضي، و أنشأت حكمها على مدى سبعة أشهر قاتمة، ثم لاذوا بالفرار في كانون الثاني عندما سيطر المقاتلون الأكراد عليها. لا تزال قوات داعش قريبة من المدينةعلى بعد بضعة أميال، حيث يمكن النظر إلى الدخان المنبعث من القتال في الخطوط الأمامية.

    كانت زوجة إبراهيم، بثينة، مؤيدة صريحة لحقوق الإنسان والترشح لمجلس محافظة الموصل. لذلك عندما سيطر داعش على الوضع، طالبها المقاتلون بالحصول على بطاقة التوبة ،قال زوجها “قالت أنّها لا تريد أن تنحدر الى هذا المستوى المنخفض جدا”. عرف ابراهيم الخطر، وشاهد جثث العشرات من رجال الشرطة في الشارع، أصيبت بعيار ناري في الرأس. وشاهد أيضا أناس آخرين تم رميهم من المباني. وقد سمع الحديث عن اللعين “الخسفة”، وهو مجرى طبيعي في عمق الصحراء جنوبي الموصل حيث يتباهى المتطرفون برميهم الجثث هناك، في بعض الأحيان يكون لضحايا احياء.

    وقال إبراهيم أنه بعث زوجته إلى مكان آمن لبضعة أيام، لكنها سرعان ما عادت لاشتياقها لبناتنا الثلاث وولدينا، إن أصغر أبنائها يبلغ من العمر سنتين.وقال أنه وبعد بضع ليال في أوائل تشرين الأول، جاء المتشددون من اجلها.كان إبراهيم وزوجته نائمين، في الوقت الذي كانت فيه بناتهم يشاهدن التلفزيون.قالت إحدى البنات “استيقظ يا أبي، داعش في الفناء الامامي”، وذلك باستخدام الاختصار العربي للجماعة. رأى إبراهيم أنّ المنزل محاصر.لقد طالبوا برؤية بثينة، حاول إبراهيم حمايتها، كما قال ولكنها خرجت وواجهت المتطرفين، مطالبة بتفسير لذلك. وتلا ذلك احتجاج، قيد أحد المسلحين الشيخ وضربوا رأسه بمسدس. دفع الرجال بثينة إلى سيارتهم، واخذوا إبراهيم أيضا.وأملَ إبراهيم -وهو عضو قوي في قبيلة الجبور المرموقة- إنّ علاقاته والمال يمكن أن تضمن حرية بثينة.وقال أنّه ذهب مع رجال من القبيلة  إلى بلدة  تلعفر وهي معقل لداعش ينحدر منها عدد كبير من المقاتلين الذين استولوا على أسكي الموصل. هناك، قال إنّه التقى في المسجد مع أبي علاء العفاري، وهو قائد محلي الذي يعتقد بعض المسؤولين العراقيين الآن انه قد ترقى ليصبح الرقم 2 في “الخلافة”.

    توسل إبراهيم لإطلاق سراح زوجته، مشيرا إلى أنها كانت لا تزال ترضع الابن الأصغر، أكرم.اجاب العفاري، وفقا لإبراهيم. “لا يهم سوف يصبح أولادك أيتام” ، آخر مقيم في أسكي الموصل، يود فادي محمد البالغ من العمر 31 عاما، أن كل ما حصل عليه هو شهادة وفاة شقيقه.

    كان هو وشقيقه محمد محمد، من رجال الشرطة السابقين الذين تخلوا عن أسلحتهم و وقعوا أوراق التوبة، ولكن شقيقه اعتقل بعد أن زعم المخبرون أنه كان جزءا من وحدة الاستخبارات، وأرسل محمد محمد الى الموصل. في كانون الاول، 13 يوما قبل استعادة الأكراد لأسكي الموصل، قال محمد أنّ المسلحين “جلبوا لنا الأقراص التي أظهرت قطع رأس أخيه.”

    الآن، قال: “أريد أن أفجر نفسي بين داعش. وحتى ذلك لن يرضيني، حتى ا        ذا قطعتهم ، وشربت دماءهم وأكلت قلوبهم، فإن ذلك لن يسلب ألمي.”وقال العديد من الذين تمت مقابلتهم إنّ البقاء غير ملحوظ في كثير من الأحيان هو مفتاح البقاء على قيد الحياة في “الخلافة”. يفضل البقاء في المنزل قدر الإمكان، وتجنب نقاط التفتيش من مقاتلي داعش ولجان “الحسبة”، ومنفذي لوائح داعش التي لا تعد ولا تحصى.

    تقوم العناصر المسلحة من الحسبة بدوريات في الشوارع، مبحرة في سيارات رياضية متعددة الاستخدام ذات نوافذ سوداء، مرتدين زياً أفغاني فضفاض وسراويل وقمصان طويلة وأقنعة وجه، وتبحث عن سلوكيات يعدونها غير مقبولة، إنّ عقوبات التدخين، و ارتداء الملابس الغربية أو الاستماع لمحطة إذاعية خاطئة يمكن أن تتراوح من الغرامة إلى السجن لبضع ساعات أو أيام،في كثير من الأحيان حسب مزاج الحسبة. إنّ الجرائم الأكثر خطورة و المتكررة، قد يلزم المقاتلون الجاني على المشي في ساحة البلدة لأيام عدة مع لافتة معلقة حول رقبته تشير إلى جريمته.

    معظم الذين تمت مقابلتهم من قبل وكالة اسوشييتد برس قالوا إنّ على النساء أن لا يحاولوا الخروج على الإطلاق. إذا ذهبوا إلى السوق، فإنهم يتجنبون في بعض الأحيان أخذ أزواجهن، أو أبنائهن أو إخوانهن معهن إذا تلقوا مضايقات من قبل الحسبة، فان اقربائهم الذكور قد يدافعون عنهم ويغضبون الحسبة.هذا خوف ليس غير معقول. فرّ أبو الزين الذي يبلغ من العمر 31 عاما مؤخرا من البلدة السورية الشرقية المحسن، وروى كيف وبخ اعضاء الحسبة في احد الايام امرأة لكونها مغطاة بشكل غير صحيح. جاء أخوها وجادلهم، تصاعدت حدة النقاش، و أطلق مسلح النار على الأخ، و قام أقارب الأخ على الفور بقتل المتشدد.

     وقال أبو الزين بعد مدة وجيزة، شنت فرقة كبيرة من مقاتلي الدولة الإسلامية هجوماً على المنزل وقتلت ثمانية من أفراد الأسرة.وقال أبو الزين انه اعتقل مرات عدة لارتكابه جرائم بسيطة، بما في ذلك زيارة قبر عمه.

    وقال خلال العُطل الإسلامية في أواخر العام الماضي، أعلن نشطاء في المساجد انه زيارة قبور الأقارب محرمة، وهو تقليد في العطل ترى داعش أنه يشجع على الشرك. توفى عم أبو الزين بسبب السرطان في العام قبل الماضي، لذلك قرر هو و ابن عمه وقريب آخر أن يتحدوا الحظر.

    عندما اقتربوا من المقبرة، فتح رجال داعش النار فوق رؤوسهم، وهم يهتفون “عبدة القبور!” و “هذا هو ممنوع!” وقال أبو الزين انه هو وأصدقاؤه حاولوا مجادلتهم بالعقل. “لا يمكنك أن تمنعني من زيارة والدي،” بكى ابن عمه البالغ من العمر 20 عاما، مما دفع احد المسلحين لصفعة على وجهه. تم إلقاء القبض على الثلاثة واحتجزوا لساعات عدة قبل أن يطلق سراحهم مع تحذير.لم تظهر زوجة الشيخ عبد الله إبراهيم، بثينة، أبدا بعد أن تم اعتقالها من قبل المسلحين.

    بعد وقت قصير من إطلاق سراح زوجها ، حصل الشيخ على شهادة الوفاة ورقة بسيطة من “المحكمة الشرعية” مع توقيع القاضي وتشير الى أن موت بثينة قد تحقق، لا شيء أكثر من ذلك.قال أنها وثيقة مرعبة، لكنه سيحفاظ عليها قائلا: “لأنها تحتوي على اسمها.”

    الإفلات من الخلافة

    إنّ الهروب ليس سهلا، إذ يحظر على السكان مغادرة مدنهم من دون الحصول على إذن، وملء استمارة طويلة مع جميع بياناتهم الشخصية ووضع الملكية كضمان سيتمكن داعش من اغتنامها إذا لم يرجعوا. يجب على النساء التقديم للسفر في الحسبة وغالبا ما يتم رفض إعطائهم الإذن، خوفا من عدم إتباعهم لتعاليم اللباس بمجرد خروجهم.

    عندما كانت عمة عدنان بحاجة لعلاج السرطان، سعت للحصول على إجازة لمغادرة أراضي داعش للحصول على الرعاية اللازمة، الا انها رفضت وأرسلت إلى الموصل، حيث تم دفع اجور النقل وبعض التكاليف الطبية، ولم يكن العلاج الكيميائي من ضمنها.في ايار، بعد  ان قضى عدنان 55 يوما في السجن، قام أعلى زعيم في الرقة بالإفراج عن 40 سجينا، بينهم الناشط السوري الشاب.

    قرر عدنان أن الوقت قد حان للمغادرة، حيث قام بالدفع لمهرب لأخذه على الطرق الترابية، حوالي 25 كيلومترا إلى معبر تل الابيض، الذي كان في ذلك الوقت في أيدي داعش والذي تم إغلاقه من الجانب التركي، ثم دفع لمهرب آخر لايصاله الى تركيا. أضاف مبتسما”لقد كانت مغامرة”.

    إلا أنّ الهروب كان أكثر ترويعا لعلي، وهو صاحب محل لبيع الأجهزة البالغ من العمر 63 عاما من البلدة العراقية الزعاب، قرب الموصل، الذي طلب عدم ذكر اسمه بالكامل وذلك لحماية أقاربه الذين لا يزالون تحت رحمة داعش. وقال للوكالة أنه عندما قرر الفرار، تمكن من إقناع السلطات المحلية انه ذاهب فقط في رحلة عمل لمدة ثلاثة أيام، أعطوه ورقة إذن من دون ضمان الملكية، حيث قاد سيارته مع زوجته وابنه وزوجة ابنه.

    فصل بينهم وبين الحرية  ثلاث نقاط تفتيش مختلفة. في البداية، كتب مقاتلو داعش نوع السيارة ورقم ترخيص سيارته، في الثانية قاموا بتفتيش سيارته، ثم أمروه بالعودة إلى الحاجز الأول. هناك، قال مقاتل له ان تسجيل سيارته غير لائق وانه ليس لديه ضمان الملكية.وقال “إنّ مصيركم سيكون الإعدام”، كما قالوا له.ولكن لإظهار كيف أنّ الحياة متقلبة في إطار الدولة الإسلامية، اجرى قائد عند الحاجز مكالمة هاتفية وحصلت على الموافقة للسماح لعلي ولعائلته بالمرور.قال علي وهو يتكلم عن القائد”اطال الله عمره”، وقال أنّه فضل أن يقتل هناك في نقطة تفتيش على أن يضطر للعودة مرة أخرى إلى الزعاب.

    في أسكي الموصل، تم تحرير المقيمين من سيطرة داعش على أيدي المقاتلين الأكراد. وسط فرحة على التحرير، وربما القلق من اتهامهم بالولاء لداعش، قام العديد من السكان بالتخلص وعلى الفور من وثائق الدولة الإسلامية. منذ ما يقرب من سبعة أشهر، كان الجندي السابق سالم أحمد البالغ من العمر 23 عاما متشبثا ببطاقة توبته، وكان دائما على استعداد عند نقاط التفتيش. كان يكره البطاقة، وقال انه رفض الإفصاح عن ذلك لئلا يشعر على الدوام بذات الشعور.خرجت داعش الآن، إلا أن الخوف الذي غرس فيه لم يفعل، إذ لا يزال يحمل بطاقة التوبة معه.قال”نحن نعيش بالقرب من خط الجبهة” ” قد يعودون في يوم من الايام ليسألوني عن بطاقة التوبة مرة أخرى.”


     

    كتبت سلامة ويانسن من أسكي الموصل، كرم من غازي عنتاب، تركيا، وكيث من القاهرة. ساهم الصحفيون محمد رسول و حسين الملا في بيروت وسالار سليم في أربيل، العراق،  في هذا التقرير.

     

    رابط المصدر :

    http://bigstory.ap.org/article/107f1977ef8241d9865649d03ac5816f/inside-islamic-state-groups-rule-creating-nation-fear