أعلنت القيادة العسكرية السعودية انتهاء عملية “عاصفة الحزم” بتحقيق اهدافها في تدمير مخازن الاسلحة والصواريخ وتحجيم الخطر اليمني. الاهداف السياسية والامنية التي اعلنت عنها القيادة السعودية اولى ايام العمليات العسكرية كانت هي ( اخراج حركة انصار الله “الحوثيين” من المدن, اعادة الرئيس المستقيل هادي للحكم, العودة للحوار الوطني لتشكيل حكومة وحدة وطنية واخيرا توحيد القبائل والجيش ضد حركة انصار الله). وبالنظر الى الواقع على الارض نجد ان اي من تلك الاهداف لم يتم إنجازها, فـ”الحوثيون” لم يغادروا المدن التي دخلوها, والرئيس هادي ما زال في العاصمة السعودية التي منها ألقى خطاب “النصر” الى الشعب اليمني, والحوار الوطني لم يبدأ بعد, ولم يجد التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية شخصية يمنية تستطيع قيادة المعركة على الأرض لتوحد القوات والقبائل ضد حركة انصار الله.

قيادة الامير الشاب عديم الخبرة

كتب سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى مقالا بعنوان “الشاب عديم الخبرة في المملكة العربية السعودية” تعليقا على ما قاله السيد علي خامنئي قائد الجمهورية الاسلامية الايرانية في خطاب ألقاه في 9 نيسان, وصف السيد الخامنئي القادة الجدد في المملكة العربية السعودية بـ”شباب عديمي الخبرة” ويقصد بذلك الأمير محمد بن سلمان الذي برز بقوة على الساحة السعودية بعد تولي الملك سلمان للحكم في كانون الثاني 2015, الذي يشغل حاليا منصب وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالإضافة إلى كونه عضوا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية, الهيئة الرئيسية لصنع القرار.

وقال هندرسون ان الأمير محمد (من مواليد 1985) هو الإبن الأكبر من الزوجة الثالثة للملك سلمان الذي يبلغ التاسعة والسبعين, ويمتاز بعلاقة قوية جدا مع والده الملك رغم وجود بعض الأبناء الأكبر سنا للملك سلمان ممن درسوا في جامعات امريكية وبريطانية كالأمير سلطان 58 عاما وهو رائد فضاء سابق والمسؤول عن السياحة، والامير عبد العزيز 55 عاما الذي يعمل منذ زمن في وزارة البترول, والامير فيصل امير المدينة المنورة, في حين درس الأمير محمد القانون في جامعة الملك سعود في الرياض. ويرى هندرسون ان الامير محمد بقى قريبا من والده على مر السنين فصار مساعدا رئيسيا خصوصا بعد تدهور صحة الملك, فصار الامير الحاكم الفعلي للمملكة باسم والده.

وترى مجلة الايكونومست في تقريرها الصادر يوم 22/4/2015 بعنوان (ما الذي تستطيع المملكة فعله بعد) انه من الصعب التنبؤ بالسياسة السعودية فدافعها ليس فقط مواجهة إيران أو اعتبارها اليمن الحديقة الخلفية للمملكة, فالملك سلمان يدرك تماما أن نتائج الحرب ستؤثر على مكانته الخاصة وعلى مكانة ابنه الامير محمد الذي يقول البعض إنه تتم تهيئته للخلافة في الوقت المناسب. لذا فإن جانبا من الحرب السعودية على اليمن ذا بعد داخلي لبناء مكانة خاصة للامير محمد بين امراء آل سعود ليقبلوا به وليا للعهد ثم ملكا في المستقبل.

مذهب سلمان

ويبدو ان للامير الشاب محمد بن سلمان رؤية سياسية محددة مما دعا المحلل السعودي جمال خاشقجي ان يطلق عليها عنوان “مذهب سلمان” تقوم على اساس بناء القوة السعودية في ظل غياب القوة الأمريكية عن المنطقة.

السياسة السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز اتسمت بالعداء الشديد لحركات الاخوان المسلمين في جميع ارجاء المنطقة والوقوف الى جنب الانظمة الحاكمة في مواجهة الربيع العربي, ورأت ان خطر الاخوان المسلمين على النظام في المملكة العربية السعودية اشد خطرا من المد الايراني, بالمقابل جاءت الاستراتيجية السعودية الجديدة للملك سلمان ان الاخوان المسلمين ليسوا خطرا على المملكة وان الخطر الحقيقي هو من المد الايراني في المنطقة.

في حين تقوم الاستراتيجية الاماراتية على مكافحة حركات الاخوان المسلمين في كل مكان وهي سياسة اشتركت فيها القيادة الاماراتية مع قيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز .. اما اليوم تجد القيادتان نفسيهما على مفترق طريق.

القيادة الإماراتية تخشى ان تلجأ القيادة السعودية الى الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) والقبائل اليمنية السنية ذات العلاقة القوية مع الإخوان وتسليحهم من أجل قيادة العملية البرية على الأرض بعد الرفض الباكستاني المصري في التدخل البري, هذا التوجه السعودي يعني إحياء الدور الإخواني بقوة داخل الساحة اليمنية مرة أخرى وربما يكون تمهيدا لعودتهم في دول أخرى في الوقت الذي تضع الإمارات حركات الاخوان المسلمين في قائمة الارهاب الى جنب تنظيم داعش.

كما ترغب القيادة الاماراتية في ضم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ونجله أحمد الى اي صفقة سياسية في اليمن وأن يكون لهم دور محوري, لذا سعت لاجراء مصالحة بين السعوديين وصالح . القيادة السعودية من جانبها ترفض التعامل من جديد مع صالح او عائلته في ما اعتبر خيانة للمملكة بعد ان وقف صالح وراء فشل المبادرة الخليجية التي دعمتها السعودية بقوة ثم أعان حركة انصار الله وجعل شمال اليمن تشكل تهديدا للسعودية من الجنوب.

الاستراتيجية السعودية في اليمن في عهد الملك عبدالله خاصمت كل الاطراف الفاعلة وهي (تيار صالح الرئيس السابق, انصار الله, الاخوان المسلمين, الحراك الجنوبي, والقاعدة) وبدلا من ان تستميل طرف ضد اخر لجأت المملكة في عهد عبدالله الى بناء طرف جديد متمثل في تيار هش للرئيس هادي الذي لم يستطع ان يقف امام تحالف انصار الله وتيار صالح.

بالمقابل لجأ علي عبدالله صالح الى استراتيجية “العودة الى الحكم” فبعد أن رأى الرفض السعودي لعودته آثر اتباع النموذج “السيسي” وذلك بافساح المجال للثورة “الحوثية” ثم تنهار الثورة وتسود الفوضى مما يجعل عودته ممكنه أو يعهد الى نجله أحمد، الذي كان مرشحا بالفعل لوراثة الحكم من بعده، مثل جمال مبارك وسيف الإسلام القذافي.

 مرشح التسوية الاماراتي

نجل الرئيس السابق, العميد أحمد علي صالح رئيس الحرس الجمهوري السابق وسفير اليمن في الإمارات، هو مرشح التسوية الاماراتية للرئاسة الا ان القيادة السعودية تتهمه مع والده بدعم حركة انصار الله وتسليمهم العاصمة وباقي المدن اليمنية وبالتالي تهديد الامن القومي السعودي .. صالح ونجله عملا بوضوح مع الإمارات في إجهاض “الربيع اليمني” الذي جاء بالاخوان المسلمين لرئاسة الحكومة اليمنية, لذا رغبت الإمارات العربية المتحدة بطرح وجه جديد هو أحمد علي صالح قبل هروب الرئيس المستقيل هادي من صنعاء, بل ان الباحث السعودي انور عشقي من مركز الشرق الاوسط في جدة والمقرب من دوائر القرار السعودي اتهم علنا الامارات في دعم صالح وحركة انصار الله ضد الاخوان وذلك في لقاء مع قناة روسيا اليوم وقال ان الامارات قدمت اموالا طائلة الى “الحوثيين”.

اما ضاحي خلفان تميم, القائد السابق لشرطة دبي والمقرب من القيادة الاماراتية فقد ذكر في تغريدة له على تويتر بتاريخ 21/4/2015 ما نصه ” علي عبدالله يا جماعة خدم كثير وهو نفسه قال لا أريد الحكم كذا مرة  لكن حق ابنه في الترشح حق دستوري وحزب علي صالح سيفوز في الانتخابات القادمة”.

المغرد مجتهد على موقع تويتر الذي يعتقد في الاوساط الاعلامية انه احد ابناء او بنات الامير طلال بن عبدالعزيز وله اكثر من مليون و800 الف متابع, قال في تغريدة له ” تتظافر الأدلة لدى آل سعود أن محمد بن زايد يتآمر خلف ظهورهم مع علي صالح ويغطي العلاقة بزعم أنه يستفيد منها للتفاوض معه لإيجاد مخرج للأزمة”.

وقال (مجتهد) في تغريدة اخرى “كان بن زايد يزدري بن نايف أيام الملك عبدالله ويتعامل معه بكبرياء بعد أن ضمن له التويجري”رئيس الديوان الملكي السابق” المستقبل مع متعب بن عبدالله ثم سقط متعب وصعد بن نايف”. وهو ما يؤكد تدخل الامارات في النزاع الداخلي للعائلة المالكة السعودية قبل واثناء انتقال السلطة من عبدالله الى سلمان, اذ حاولت الامارات مساعدة الامير متعب بن عبدالعزيز تولي منصب ولي ولي العهد بدلا عن محمد بن نايف.

ثم يقول مجتهد “وكان الاستقبال السعودي لمحمد بن زايد باردا وقد منع من مقابلة الملك سلمان وبالطبع لم يحصل على أي موافقة على طلبه .. ويبدو أن بن نايف تشفى من بن زايد فصار هو الذي يتعامل معه بازدراء وكبرياء .. وحضر (مع بن زايد) إخوانه سيف وعبدالله ومنصور وطحنون وطلب منهم جميعا أن يظهروا لمحمد بن نايف التبجيل والتعظيم بطريقة مبالغ فيها عسى ولعل أن يرضى عنه, في محاولة مستميتة للاعتذار من بن نايف بعد وصفه لوالده بالقرد وبعد تآمره مع متعب ضده”.

السياسة السعودية حاليا تدار من قبل “المحمدين” محمد بن سلمان وزير الدفاع ومحمد بن نايف وزير الداخلية وكلاهما يريدان الثأر من القيادة الاماراتية لمحاولتها حرمانهما من تولي الحكم والتدخل لصالح الامير متعب بن عبدالله والتعامل معهما بازدراء, وكما هو معروف عن امراء آل سعود فانهم “يشخصنون” العلاقات الدولية … مما يجعل مستقبل العلاقات السعودية الاماراتية ومستقبل مجلس التعاون الخليجي على مفترق طرق, وبالتالي قد تجد دولة الامارات نفسها مضطرة – اذا ما تعرض امنها القومي للخطر – في اللجوء الى ايران لحمايتها من المحور الاخواني التركي القطري الذي انضم اليه حليف قوي جديد الا وهي المملكة العربية السعودية.