كريستان ساينس موينتور ,الكسندر كريستي ميلر

في عهد الرئيس أردوغان، لعبت تركيا دورا أكثر نشاطا في الشرق الأوسط وأنذرت الغرب بانها قد لا تكون حليفا يمكن الاعتماد عليه.

عندما زار الزعيم الفلسطيني محمود عباس أنقرة، تركيا، في كانون الثاني يناير، كان بانتظاره مشهد غير عادي- ولم يكن المشهد متمثلا فقط بالقصر الضخم لمضيفه.

على الدرج الكبير للقصر ذو 1،150 غرفة، والذي يصغر كل من الكرملين وفرساي، خص الرئيس رجب طيب أردوغان محمود عباس بالتحية وهو محاط ب 16 من المحاربين يرتدون أزياء من المفترض أن تمثل 16 سلالة تركية والتي يعود تاريخها إلى العصور القديمة.

أثارت صور اللقاء ضجة على الانترنت، حيث تساءل بعض المعلقين عما إذا كان الزعيمان يلعبان بطولة  نسختهم الخاصة من “ليلة في المتحف”.

ولم تكن الأزياء مجرد مزحة لأنها أصبحت الآن جزءاً أساسيا من حرس الشرف للسيد أردوغان, فإنها توضح مثل القصر الهائل كيف أن زعيم تركيا وبشكل متزايد يقف على منصة الساحة العالمية، وكذلك تظهر التبجح والطموح الذي يحمله في جعبته. يقوم أردوغان في الكثير من خطاباته باستدعاء التراث الإمبراطوري لتركيا ، وخاصة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت في يوم من الايام شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وجزءاً كبيراً من جنوب شرق أوروبا.

“أعتقد أنها كانت رسالة السلطة المخصصة للجمهور المحلي، ولكنه كان يقول أيضا للزوار: ‘انت هنا للقاء زعيم الأتراك،” يقول أسلي أيدنتنباس، وهو كاتب عمود الشؤون الخارجية في صحيفة ميليت.

“لقد أصبحت الحكومة مدارة من قبل هذا النوع من التفكير، والذي يمثل فقدان الفهم للواقع” “الأناس الذين أتوا بهذه الفكرة لم يفكروا كيف أنها ستبدو سخيفة في الخارج “.

إن نمو قوة المكتشف الحديث لتركيا بشكل متزايد على المسرح العالمي يتجاوز فكرة حفل الاستقبال الهائل، حيث اصبح لأنقرة دور في اتخاذ مواقف حازمة في مجموعة من الأزمات الإقليمية – كدعم حاد لفكرة التدخل العسكري للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وشجبت بصوت عال الانقلاب في مصر والذي قبلت به القوى الكبرى الأخرى بهدوء, وتزيد من الضغط على أوروبا لمواجهة التصاعد المزعوم لفكرة الإسلاموفوبيا.

بطل من المسلمين المظلومين

يصور أردوغان نفسه على أنه بطل المسلمين المضطهدين في العالم من خلال مهاجمة الغرب بنبرة خشنة- وهذا الموقف يهدد بترك تركيا معزولة في الغرب والشرق الأوسط.

“الأجانب يحبون النفط والذهب، والماس، والايدي العاملة الرخيصة في العالم الإسلامي”، صرح أردوغان لتجمع في منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، تركيا، في تشرين الثاني الماضي.” انهم يظهرون انفسهم على انهم أصدقاء لنا ، ولكنهم يريدوننا أموات. هم يحبون رؤية أطفالنا يموتون, لكم من الزمن سنقبل هذه الحقيقة؟ “

بدأ أردوغان مسيرته السياسة الإسلامية كمسلم متقٍ ، وقام مع حزبه حزب العدالة والتنمية (AKP) خلال 12 عاما في السلطة بتحويل تركيا الى قوة تنصر الجماهير المحافظة في البلاد الذين عانوا التمييز في ظل الحكومات العلمانية السابقة.

كما أنهى حزب العدالة والتنمية سياسة الانعزال التي مارستها الإدارات السابقة، حيث انخرط  و بشكل خاص في الشرق الأوسط، وهي منطقة  تجاهلتها تركيا لفترة طويلة. في السنوات الخمس الماضية تحولت أنقرة من لعب دور الوسيط في أزمات المنطقة إلى بطل للمظلومين.

وخطابات أردوغان – تذكرنا بقادة مثل محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني السابق، أو في وقت متأخر رئيس فنزويلا هوجو شافيز – حيث تدق أجراس الخطر في الغرب، مما أثار المخاوف من أن تركيا قد لا تكون حليفا يمكن الاعتماد عليه.

عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن

“لا تمتلك أنقرة الآن أصدقاءً في واشنطن “، كما يقول مايكل ويرز، وهو زميل بارز في مركز التقدم الأمريكي. وأشار إلى عامل واحد وهو استمرار رفض أنقرة لفتح قاعدة انجرليك الجوية لاستخدامها من قبل قوات التحالف لقتال الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش في العراق وسوريا. واضاف “حتى بين مؤيدي تركيا، هناك إحباط متزايد بأنها لا تفي بمسؤولياتها كحليف وثيق”، يقول السيد ويرز.

استجابت أنقرة ببطءٍ للاشتراك بقوة أكبر في التحالف المناهض لداعش ، مؤكدة أن هناك حاجة إلى استراتيجية أوسع لمعالجة الأزمة السورية, وقد حاولت تركيا استخدام قاعدة انجرليك كورقة مساومة لإقناع واشنطن بالالتزام باستراتيجية أكثر شمولا للإطاحة بالأسد، الذي تعده السبب الجذري لصعود داعش و حرب لثلاث سنوات ونصف ، قام الاسد فيها بقمع الأغلبية السنية في البلاد بوحشية.

انجرليك هي واحدة من نقاط الخلاف الناشئ بين تركيا والغرب, أغضبت أنقرة حلفاءها من خلال غض الطرف عن حدودها التي اصبحت الممر الرئيس للجهاديين الأجانب للدخول الى سوريا والخروج منها والتي تظهر كإشارة دعم للجماعات الإسلامية السنية بما فيها المحلية منها التابعة لتنظيم القاعدة  ولجبهة النصرة.

“في نهاية المطاف لم يكن لدينا أي خيار سوى أن نتفق على أن نختلف”، قال فرانسيس ريتشاردوني الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا من عام 2011 إلى منتصف عام 2014 في مؤتمر المجلس الأطلسي في سبتمبر ايلول, وقال “عمل الأتراك بصراحة مع الجماعات المسلحة لفترة، بما في ذلك جبهة النصرة، التي صنفناهم كمنظمة لا نملك الاستعداد للتعامل معها”.

الشعور بالخيانة

بدورها، ترى أنقرة أنها قد خُذلت بسبب فشل إدارة أوباما ببذل المزيد من الجهد لدعم المعارضة السورية المعتدلة، وخصوصا بعد أن عبر نظام الأسد “الخط أحمر” للرئيس أوباما بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية.

توترت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، التي تتفاوض أنقرة للانضمام لها، على نحو متزايد خصوصا بعد مخاوف بروكسل بشأن حرية الصحافة وارتفاع قوة السلطة في تركيا، وأصيبت تركيا بالإحباط من العديد من الدول المعارضة لانضمامها.

“أردوغان يشعر بالخيانة من قبل الغرب”، يقول سيرين كينار، وهو كاتب عمود في صحيفة تركية. “أولا، العملية المؤلمة للانضمام للاتحاد الأوروبي لم تنتج أي شيء لحد الآن، وثانيا يشعر أردوغان أن الغرب قد خانوا الديمقراطية في الشرق الأوسط.

“منذ بداية الربيع العربي وانقرة تخالف حلفاءها الغربيين، بينما كانت تناصر حركات الإخوان المسلمين من سوريا إلى تونس، مخالفة أثنين من القوى العربية الرئيسة في المنطقة، المملكة العربية السعودية ومصر”. ومن 2011 الى 2012 – على حد سواء – يعتقد وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو وأردوغان أنه لن يكون هناك حزام للإخوان المسلمين … وستكون تركيا زعيم ذلك الحزام الممتد في دول عدة “، يقول بهلول اوزكان، وهو أستاذ مساعد في العلاقات الدولية في جامعة مرمرة في اسطنبول.

وقد انتقدت تركيا الغرب لقبول انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس المصري محمد مرسي الداعم المتحمس لتركيا والذي سبب طرده من قبل عبد الفتاح السيسي بإثارة ذكريات مؤلمة من التاريخ الحديث الخاص في تركيا حيث أطاح الجيش بأربع حكومات منتخبة في السنوات ال 60 الماضية.

سياسة المبدئية

إن رفض أنقرة لقبول الانقلاب أو لوقف الدعم القوي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظور الآن يأتي بعد قيام قطر – الداعم الرئيس الآخر – بقطع دعمها رضخا لضغوط المملكة العربية السعودية.

وفي أيلول سبتمبر وافقت تركيا على استقبال أعضاء جماعة الإخوان في المنفى بعد طردهم من قطر تحت ضغط من الرياض. وبالمثل في كانون الاول ديسمبر ، قامت باستقبال قادة حماس، الفصيل الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، الذين أجبروا على نقل عملياتهم السياسية بالقوة.

ويصر قادة تركيا على موقفهم هذا باعتباره جزءاً من السياسة المبدئية لدعم الحركات الديمقراطية والحكومات المنتخبة، ومعارضة للأنظمة الاستبدادية.

تقول السيدة كينار الكاتبة في صحيفة التركي : أن رئيس الوزراء الحالي السيد داود أوغلو “يعتقد أن تركيا يمكن أن تزيد من نفوذها في المنطقة إذا دعمت الديمقراطية”، واضاف “اذا سادت الديمقراطية, ستكون تركيا دولة رائدة، وعلى المدى الطويل, أعتقد أن هذا هو الموقف الصحيح.”

ومع ذلك، يرى البعض أن هذه الافعال ليست لمساعدة الآخرين- كما يراها الشعوبيون أنها قد تلعب على التعاطف الشعبي في تركيا لكنها سوف تؤدي الى عزل البلاد عن الخارج ، يقول سميح ايديز، معلق الشؤون الأجنبية في صحيفة طراف : “أنا لا أرى أن المسار سيتغير كثيرا في المستقبل”.

“يرى أردوغان نفسه على نه رجل المهمة، والمبدل المحتمل للنظام العالمي. هذه الاستراتيجية تعمل لصالحه محليا. ويمتلك أردوغان قاعدة شعبية في شوارع الشرق الأوسط، ولكن هذا لا يهم، لأن عليه التعامل مع الأنظمة وليس الشعوب “.

مع استعداد تركيا الآن للانتخابات العامة في يونيو من المرجح أن يستمر أردوغان في طرح رسالته المضادة للغرب والداعية للتضامن الإسلامي بصوت عالٍ. ومع ذلك، يتصور القليل من المراقبين أن تصبح تركيا دولة مارقة مثل فنزويلا وإيران.

تهديد الأمن المشترك

تشكل الأزمة في سوريا- على الرغم من التوترات المتفاقمة بين أنقرة والغرب –  تهديدا أمنيا من المرجح أن يبقي تركيا متعاونة مع الغرب. منذ يناير كانون الثاني عام 2013، نشرت منظمة حلف شمال الأطلسي بطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية في البلاد، بناءً على طلب أنقرة، للحماية من أي هجوم من قبل الأسد.

وتنبهت أنقرة  أيضا الى التهديد الذي تشكله داعش. المحاور السياحية المزدهرة في البلاد، والتي استقطبت أكثر من 36 مليون زائر في العام الماضي وتولد 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن تكون هدفا مغرٍ لداعش، الذي يعتقد أنه يمتلك شبكة قوية في تركيا.

ويقول دبلوماسي غربي مقيم في انقرة : إن التعاون في قضايا الأمن يتحسن، خصوصا فيما يتعلق بالجهود المبذولة لمكافحة تدفق المجندين الجهاديين إلى سوريا.

يقول البروفسور الدوبلوماسي اوزكان : ” ما رأيت خلال العام الماضي هو أن داعش ليست مشكلتنا وحدنا، ولكنها مشكلة الجميع”، ويعتقد أنه بدلا من قطع العلاقات، يسعى أردوغان للحصول على فرصة لإعادة التفاوض حول شروط علاقة تركيا مع الغرب.

“هذه النخبة لا ترى تركيا كجزءٍ من الغرب”، كما يقول. واضاف “إنهم يريدون علاقة استراتيجية مع الغرب، لكنهم لا يشاركون القيم والمثل الغربية”.

ومع ظهور السلطة المحلية لأردوغان بشكل غير معادٍ ، قد يضطر الغرب الى قبول هذا الواقع الجديد، يعتقد اوزكان، مضيفا أن التغير المتزايد من قبل أردوغان ستظل مشكلة يجب عليهم التعامل معها.

“إن تركيا تتحول إلى حزب واحد، والى نظام قائد واحد. وأصبح أردوغان قويا جدا، ويقوم بتحركات غريبة الأطوار “، يقول أوزكان: “أنا لا أعتقد أن أي زعيم غربي  سيكون سعيداً أن تلتقط صورة له معه في هذه الأيام.”

احتمال وجود فرصة لالتقاط الصور على منصة مع حرس الشرف الجديد قد يجعلها فكرة غير مستساغة بشكل خاص.

رابط المصدر:

With new confidence, Turkey’s Erdogan seeks to expand his influence