دان بيري وآدم شريك –أسوشييتد بريس

في الوقت الذي تحقق فيه القوى العالمية تقدماً باتجاه اتفاقٍ نووي محتمَل مع إيران، تمحورَت النقاشات حول التساؤل عن إمكانية أن يترك هذا الاتفاق مجالاً لإيران للحصول على السلاح النووي، لكن اتفاقا كهذا قد يترك أثراً عميقاً آخراً، هل هذه هي بدايةُ قبولٍ واسعٍ بالجمهورية الإسلامية من قبل المجتمع الدولي؟  ظاهرياً، ستكون الإجابة على الأرجح كلا، حيث لم تربط مجموعة 5+1 (كما يُطلق على الدول المفاوِضة) المسألة النووية بأيّ شيء، سوى التقليص التدريجي للعقوبات الاقتصادية القاسية.

وتبقى العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران مقطوعة، كما كان الحال دائماً منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، والسيطرة على السفارة الأميركية في طهران، وتَعد الولايات المتحدة إيران واحدة من أربع دول فقط داعمة للإرهاب، وأبعدت العقوبات المستثمرين، تاركةً إيران مع عددٍ قليل من الشركاء ومع اقتصاد متعثّرٍ.

وفي المنطقة، لا تثق الأنظمة السنيّة لدول الخليج، الغنية بالنفط والحليفة للغرب، بمركز النفوذ الشيعي غير العربي، وترى أثر يده في زعزعة استقرار منطقتهم عن طريق دعم المجاميع المسلّحة من لبنان إلى اليمن إلى العراق، وانعدام الثقة هذا يغذّي بدوره الانقسامات الطائفية التي تحصل في كثير من صراعات المنطقة والتي تُستثمر من قبل التنظيمات المتشددة ومنها تنظيم الدولة الإسلامية ، الذي يَعد الشيعة كفّاراً. اتفاق كهذا يمكن أن يزيد هذه التوترات سوءاً، حيث أن القوى العربية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، يمكن أن تستنتج أنّه قد سُمِح لإيران بأن تقف على عتبة السلاح النووي، ويقرروا أنهم، هم أيضاً، يجب أن يمتلكوا برامج نووية، الأمر الذي سيزيد من اشتعال علبة البارود هذه الأكثر قابلية على الاشتعال في العالم.

ولكنّه سيُلغي أيضاً عائقاً عظيماً في ما يخص تعاملات إيران مع العالم، وهو الإجماع الغربي المؤكد والذي طال أمده حول عزل إيران نتيجة المخاوف النووية، فإذا ما تم حذف ذلك، من المحتمل أن تزداد المطالبات بزيادة العمل مع إيران لحل نزاعات أخرى. كلّ ذلك، من الممكن أيضاً أن يغيّر سياسيات إيران الداخلية بأمورٍ غير متوقّعة.

بالنسبة للمفكرين وصنّاع القرار الغربي، تمثّل إيران تحدياً، فمن جهة، هي المظهر الحديث لحضارة فارسية متغطرسة، وسوقٍ محتمَلٍ مربح، والاحتياطي الأكبر للنفط والرابع في العالم، ومن جهةٍ أخرى، حتى بعد الاتفاقية ستبقى إيران، بالنسبة للكثيرين، تهديداً عالمياً، ومتطفّلة على شؤون المنطقة، ومضطهدة لشعبها.

في هذا الأسبوع، تُجري الولايات المتحدة وإيران، حتى اللحظة الأخيرة، محادثاتٍ في مدينة لوزان السويسرية، ولا توجد ضمانات بتطوّرٍ مفاجئ. وبينما تُكشف الأحداث هناك، هذه بعض النواحي التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار:

 الدوافع الاقتصادية

هنالك دافعٌ مشتركٌ كبيرٌ جداً لتطبيع العلاقات الاقتصادية مع إيران، فبعد سنين عدة من العزلة الكبيرة عن الغرب، اكتملت نضوجية البلد وجاهزيته للاستثمارات الأجنبية وللتطوير السريع للبنية التحتية، وموارده النفطية تجعل المنفعة متبادلة.

إن التعداد السكاني كبير جداً (ما يقرب من 80 مليون نسمة)، وهو متعلّمٌ بقَدَرٍ معتدل، مع نسبة 85 بالمائة تقريباً يجيدون القراءة والكتابة، والشخص العادي يحصل على تعليم مدرسي لمدة 15 سنة. و نصيب الفرد من الدخل يتراوح حول 5000$ (خمسة آلاف دولار أميركي للشخص الواحد في السنة)، لكن بأخذ كلفة المعيشة بنظر الاعتبار، فإنّ هذا المبلغ قيمته أعلى بكثير مما هي عليه في الغرب (وتلك دلالة على الاقتصاد المشوّه الذي يمكن أن يحصل فيه تغيير بصورة سريعة).

يقول المحلل الجيو-سياسي المقيم في دبي، ثيودور كاراسيك، “لقد بدأتْ أطرافٌ كثيرة بوضع الخطط لدمج إيران في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، تحديداً الأوروبيون والآسيويون، الذين يرون إيران فرصةً غير مسبوقة للقيام بالأعمال التجارية، لأن البنية التحتية للبلد متأخّرة، حرفياً، بثلاثين عاماً، وكل القطّاعات والسلع منفتحةٌ، ولقد بدأت إيران بالاستعداد لذلك”.

في الوقت الحالي، التأثير قصير الأمد هو إنهاء العقوبات التي حطّمت العملة الإيرانية وسببت التعاسة والبطالة، ومن المحتمل أن تؤسّس الاتفاقات التي تليها لروابط أعظم مع العالم، خاصةً إذا ما قامت إيران-ما بعد الاتفاقية النووية- بأخذ خطواتٍ للانفتاح الاقتصادي بشكلٍ واسع.

تأثير إيران في المنطقة

لقد ألقَت إيران، ذات الأغلبية الفارسية، بظِلالها على العالم العربي المجاور، لحدٍّ ما، عبر اللعب على الانقسام الذي يمتد لقرون بين المسلمين السنّة والشيعة. فلديها ميليشيا موالية لها تتمثّل في جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، التي تموّلها إيران وتزوّدها بالسلاح والتدريبات والتوجيهات، وهذا ساعد شيعة لبنان، الذين يتمتعون بأغلبية مقارنةً بالمسلمين السنّة والمسيحيين والدروز، على الهيمنة على البلد. ولقد أبقت أيران على بشار الأسد في السلطة في سوريا، ذات الأقلية العلويّة التي تُعد فرعاً شيعياً، عبر الدعم المادي المباشر، وعبر جعلِ حزب الله يقاتل بجانب قوّاته، حزب الله هو الذي يورّط لبنان، بين فترة وأخرى في صراعٍ طاحن مع إسرائيل أيضاً، وكذلك يُلام على الهجمات الإرهابية من بلغاريا إلى بوينس آيرس. فضلاً عن ذلك، فإنّ من السائد أنّ إيران تدعم، بشكل غير مباشر، المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين سيطروا في الأشهر الأخيرة على معظم مناطق البلاد وأزاحوا الحكومة من العاصمة، صنعاء.

ولكن كانت هنالك دائماً مصالح مشتركة مع الغرب، فلقد تعاونت إيران وواشنطن بشكلٍ قريب ضد حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وفي التفافة جديدة، فإنّ دور إيران جوهري في مساعدة سلطات القيادة الشيعية في العراق في مقاتلة مسلحي الدولة الإسلامية، حيث أن دور إيران هو مساعدة زملائها الشيعة وتقوية نفوذها، لكنها أيضاً تقدّم أفعالها كجزء من محاربة العالم لما تصفه بالتشويه السام للإسلام، وفي الوقت الذي تبدو فيه سلطة إيران الدينية قمعية في نظر الغرب، فإنّ الحكم الديني القمعي في السعودية لم يمنع الولايات المتحدة من جعْل المملكة حليفاً مقرّباً. هذه الأنواع من التعقيدات ربما ترغّب الغرب في إعادة العلاقات مع أمّةٍ تطلق على الولايات المتحدة تسمية “الشيطان الأكبر” في مفرداتها السياسية.

الدومينو النووية

جميع التقارير التي تدور حول الاتفاقية تتضمن فقط إبقاء السلاح النووي خارج متناول إيران، مع الإبقاء على تخصيب اليورانيوم لديها الذي يحتاج فقط إلى تخصيب أكثر للحصول على التسليح، وهو ما يسمّى بـ”فترة الانطلاق النووي” التي تتراوح مدته بين سنة واحدة وعدة سنوات، وليست فقط إسرائيل، التي من الشائع أنها تملك أسلحة نووية خاصة بها، تشعر بالقلق، وإنما البلدان العربية أيضاً مرعوبة من هذا الأمر، فالأمير تركي الفيصل، أحد أفراد العائلة الملكية والمعروف بصراحته والذي خدم سابقاً كرئيس لجهاز المخابرات، لمّح إلى أن استمرار النشاطات النووية في إيران قد يشعل سباقاً على التسليح في المنطقة، مخاطباً البي بي سي بالقول “إذا كان لدى إيران الإمكانية على تخصيب اليورانيوم لأي حدٍّ ترغب به، لن تكون المملكة العربية السعودية الوحيدة التي تطالب بذلك بالمثل”.

وبفضل الثروة النفطية الهائلة للملكة العربية السعودية، فإنّها تملك الموارد للسعي من أجل الحصول على برنامجٍ نووي خاصٍّ بها، ولقد وقّعت المملكة هذا الشهر مذكرة تفاهم للعمل مع كوريا الجنوبية على تطوير الطاقة النووية، ولديها أيضاً اتفاقات سابقة ذات علاقة بالطاقة النووية مع فرنسا والأرجنتين والصين. وهنالك بلدانٌ عربيةٌ أخرى تتطلّع للتكنولوجيا النووية، لكنها كإيران، تصرّح بأنّ تركيزها ينصبّ على توليد الطاقة، والأبرز بينها هي الإمارات العربية المتحدة بمنشأتها النووية الأولى من نوعها التي من المتوقّع أن تنجز في 2017.

تغيير النظام؟

بالنسبة لرجال الدين الحاكمين في إيران، إنّ أي اتفاقية نووية تعني اعترافاً مصيرياً من العالم بحكمهم الديني الإسلامي، فمنذ قدوم “الملالي” إلى السلطة عام 1979 كانوا دائماً مقتنعين بأنّ الغرب يريد إزاحتهم، أما الآن فيمكن أن تلتفت القيادة إلى شعبها وتقول لهم (لقد أُجبِرَ أسوء أعدائنا على التعاون معنا)، وذلك ربّما سيقوّي النظام الحالي، تاركاً في المكان تراقصاً حذراً بين القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، والمتعنّتين في النظام، والمعتدلين نسبياً مثل الرئيس حسن روحاني. لكنّ انفتاحا أكثر نحو الغرب ربما يشجّع معسكر المعتدلين على زيادة الضغط على رجال الدين لإرخاء قبضتهم على السلطة. يقول هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، أنّ التغييرات في إيران ستكون بطيئة، عن طريق الإصلاح الدستوري، وليس الثورة.

إنّ أبرز شخصيات المعارضة في السجون، والمظاهرات الكبيرة التي حصلت في الشوارع بعد الخلافات التي حصلت عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009 أظهرت أساساً واضحاً يدعم التغيير، وفي الوقت نفسه، من الممكن أن يتفاجأ مَن في الخارج من أنّ الجمهورية الإسلامية، بطريقتها الخاصة، أقل من أن توصف بالدكتاتورية الشاملة، فهنالك انتخابات برلمانية ورئاسية، رغم أن التنافس يتم بين مرشّحين يتم التصديق عليهم من قِبَل لجنة من رجال الدين وخبراء قانونيين، لكن رغم ذلك، يمكن أن تترك مجالاً من حرية الاختيار.

من المستحيل التكهّن بما يمكن أن يفعله نظامٌ أكثر ثقة بنفسه وأكثر خلوٍّ من الشبهات، هل سيصبح أكثر انفتاحا؟ وربّما يدعو معارضي النظام المنفيين إلى العودة؟ هل ستكون لهم شعبية إذا ما عادوا بطريقة ما؟ الجواب من التجارب السابقة في العراق وأفغانستان ربما يكون كلا، لكنّ تاريخ إيران ربما يثبت أنّ الجواب نعم، فآية الله خميني، الشخصية الأبرز لثورة عام 1979 الإسلامية، عاد من المنفى في فرنسا.

رابط المصدر:

ANALYSIS: AN IRAN DEAL COULD HAVE BROADER IMPLICATIONS

(المقال لا يعبر عن رأي المركز بالضرورة)