ظاهر محسن الجبوري، أستاذ علم الاجتماع التربوي، جامعة بابل.

مع بداية العام التعليمي 2019-2020 شهد العراق تجاذبات سياسية واجتماعية مهدت لها التظاهرات التي حدثت في عدة محافظات عراقية مطالبة في بداية الأمر بتوفير فرص عمل، وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في ظل البطالة والفساد الإداري والمالي الذي أضحى ينهش الجسد العراقي، وظهور طبقتين اجتماعيتين إحداهما تمتلك السلطة والمال وأخرى فاقدة لها على حد تعبير (كارل ماركس)، ومع تطور الأحداث انتقلت التظاهرات؛ ونتيجة للقمع الذي مورس ضدها بمطالبها إلى إحداث تغيير في كل العملية السياسية باعتبارها أصبحت عقيمة، ولا تلبي طموحات الشعب العراقي. وهذا ما فرض طوقاً مجتمعياً على السلطة السياسية ساعد في تشكيله الشباب الجامعي الذي اختار أن يكون قائداً في ميدان التظاهر ومعلناً نصرته للثورة، تاركاً مقاعد الدراسة، ومع ظهور بارقة أمل في عودة الطلبة لمقاعدهم الدراسية تدريجياً تفشى وباء كورونا وانهارت الأحلام الوردية في إكمال السنة المشؤومة.

فقررت وزارة التعليم العالي اللجوء إلى التعليم الإلكتروني كحلٍ بديلٍ للتعليم التقليدي ولو مؤقتاً، ذلك التعليم الذي ظهرت بوادره في العام 2015 إذ صدر الأمر الوزاري المرقم 1205 في 5/4/2015 بتشكيل اللجنة العليا للتعليم الإلكتروني بمركز وزارة التعليم العالي يترأسها (أ.د. فؤاد قاسم محمد) وكيل الوزارة لشؤون البحث العلمي تتولى وضع استراتيجية للتعليم الإلكتروني على مستوى الجامعات العراقية. فضلاً عن موافقة معالي وزير التعليم العالي وحسب كتاب وزارة التعليم العالي ذي الرقم (ب ت 2/1704 في 5/3/2015) على تفعيل مركز المعلومات العلمية والتكنولوجية في الهيئة العراقية للحاسبات والمعلوماتية ليكون أنموذجاً للتعليم الإلكتروني.

فالتعليم الإلكتروني يعد من الطرائق والوسائل اللتين تدعمان العملية التعليمية وتحولان التعليم إلى طور الإبداع وتنمية المهارات والتفاعل من طور التلقين، ويعرف بأنّه نظام تعليمي تفاعلي يقدم للمتعلم باستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال، ويعتمد على بيئة إلكترونية رقمية متكاملة تعرض المقررات الدراسية كافة عبر الشبكات الإلكترونية، ويوفر سبل التوجيه والإرشاد وتنظيم الاختبارات، فضلاً عن إدارة المصادر والعمليات وتقويمها، ويعرف باسم   E-Learning، وللتعليم الإلكتروني أنواع، منها:

  • التعلم الممزوج: يعرف باللغة الإنجليزية باسم Blended Learning، ويتم فيه دمج استراتيجيات التعلم المباشر داخل الفصول التقليدية مع أدوات التعليم الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت.
  • التعليم عن بُعد: يعرف باللغة الإنجليزية باسم Distance Education، وتعد وسيلة الاتصال والتواصل وسيلة أساسية في التغلب على المسافة البعيدة التي تفصل بين المتعلم والمدرس.
  • التعليم التزامني: يعرف باللغة الإنجليزية باسم Synchronous Learning، ويدمج المتعلم والمعلم في الوقت نفسه باستعمال أدوات التعليم كالفصول الافتراضية، أو المحادثة الفورية، ونظام بلاك بورد كولا بورات، أو الدردشة النصية.
  • التعلم المتنقل الذي يعرف بالتعلم المحمول: يعرف باللغة الإنجليزية باسم Mobile Learning، وهو نظام يستعمل الأجهزة اللاسلكية الصغيرة والمحمولة كالحاسبات الشخصية الصغيرة، والهواتف النقالة، والهواتف الذكية.
  • التعليم غير التزامني: يعرف باللغة الإنجليزية باسم Asynchronous Learning، ويستخدم المحتوى التعليمي الرقمي، والموسوعات الخاصة، والبريد الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية، والمنتديات التعليمية، والمدونات.

      وهنا لا نريد الحديث بتراتبية علمية بقدر كونها اجتماعية تحاكي الواقع الاجتماعي الذي نعيشه في ظل ظروف استثنائية، فردود الأفعال المتباينة توضح عمق الخلاف في تطبيق هذا النظام من التعليم، والمعلوم أن جامعاتنا تتبع ثلاثة أنظمة دراسية متناقضة ومعقدة في اليات تنفيذها وتعارضها مع التعليمات الجامعية التي بقيت تدور في فلك النظام السنوي. والأنظمة هي السنوي والفصلي وحالياً نظام المقررات، وجاء نظام التعليم الإلكتروني ليزيد الطين بله؛ فجاءت ردود الأفعال المتوقعة، وهي: ثقافة لا تحبذ الدراسة عن بُعد، وإنترنت ضعيف ومتذبذب الوفرة، وقلة معرفة تجربة في استخدام المنصات التعليمية من قبل الأساتذة والطلبة على حد سواء، وضعف المحتوى المقدم فالأستاذ في كثير من المحاضرات يكتفي بقراءة المادة أو كتابتها دون التكلف بإيضاحها أو تقديم تفسيرات علمية لها، وأغلب الأساتذة ينشر مادته في أوقات متأخرة من الليل ولا أحد يعلم السر في ذلك، وضعف المحتوى المقدم، وتخوف من طريقة التقييم وضبابيتها؛ وبالتالي نتائج غير عادلة على أقل تقدير من قبل الطلبة.

        وبما أن القضية صادمة للكل فإنها -بلا شك- ولدت ردود أفعال سريعة تقع معظمها في دائرة المحاولة والخطأ، وهنا فالهلع والخوف منها هو ما جعل الوزارة تلقي بظلالها على مجالس الجامعات وتمنحها صلاحيات واسعة في التطبيق، مع العلم أن الجامعات في الوقت عينه تحاول إيجاد منفذ قانوني لتصرفاتها مع كلياتها، وهي في الوقت نفسه لا تمتلك الجرأة لتعبر عن الواقع الفعلي، وما ترافقه من صعوبات تطبيقية على الرغم من المحاولات. فالتجربة جديدة والخبرة قليلة والنتائج مخيبة إن قورنت بالإمكانات المادية والبشرية، إلا أنها ستُزين في النهاية بهدف الحصول على الامتيازات وكتب الشكر والثناء من السيد الوزير المحترم. وهنا نقول إذا أردنا ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا الطلبة ومؤكد أن مستقبلنا بأيديهم فعلينا تنفيذ الآتي في حال أخذنا بالحسبان عدم انحسار وباء كورونا للشهرين المقبلين:

  • تجميد كل أشكال الدراسة، وإبقاء الطلبة في صفوفهم للسنة اللاحقة 2020-2021، وهذا لن يسبب خللاً لا للوزارة، ولا للجامعات فالأعداد باقية نفسها، وكذلك الأمر يسري على وزارة التربية في إبقاء مخرجاتها في مقاعدها. وهنا نضمن استفادة الطلبة، وعدم هدر تعليمهم. فالطلبة في كلتا الوزارتين لم يجلسوا على مقاعد الدراسة سوى مدةقليلة جداً لا تؤهلهم لاستيفاء المادة العلمية او المهارية المؤهلة لانتقالهم لمراحل أعلى أو تخرجهم في المحافظات المشمولة بالتظاهرات.
  • إن التجميد لا يعني إيقاف ضخ المحاضرات الإلكترونية للطلبة على منصات التعليم الإلكتروني والهدف منه زيادة قابليتهم للتعرف على إيجابيات هذا التعليم وسلبياته.
  • زيادة المهارات التعليمية للأساتذة، إذا أخذنا بالحسبان أن حوالي 70% منهم أو أكثر غير مقتنعين بتطبيق هذا التعليم، إلا أنهم مجبرون بتطبيقه لا أكثر أولاً، وتهرباً من المسؤولية ثانياً.
  • استثمار العطلة الصيفية (في حال تمت المباشرة بالدوام خلال الشهرين المقبلين) في زيادة عدد الورش والدورات التدريبية الخاصة بالتعليم الإلكتروني، إذ إن أغلب الورش التي عقدت سابقاً لا تعدو سوى روتين ولم تستثمر بنحو صحيح.
  • تعيين متخصّصين لإدارةِ أنظمة التعليم الإلكترونيّ، فهو نظامٌ غير هيّن، ويحتاج إلى دراسة وذكاء في التنفيذ والتطبيق؛ لذا لا بدّ من وجود ملاك مؤهّل وقادر على إدارة هذا النظام التعليمي مرادف للكادر التدريسي.
  • تكثيف الجهود الإعلامية تجاه المجتمع من أجل بث الثقافة الإلكترونية للتعليم الإلكتروني، فالثقافة المجتمعية عامل من عوامل نجاح أي مشروع علمي.
  • عمل استبانة خاصة بالتعليم الإلكتروني يعدها متخصصون من علم الاجتماع وعلم النفس والتربية للطلبة هدفها الوقوف بنحو حقيقي على سلبيات وايجابيات التعليم الإلكتروني ومدى جدواه التعليمي للطالب.
  • وبالعودة للمحاضرة الإلكترونية فمن الضروري تشكيل لجنة وزارية وليست جامعية تمنح صلاحيات واسعة تقوم بفحص شامل لمحتوى هذه المحاضرات المكتوبة منها والصوتية لبيان التأكد من مطابقتها للشروط العلمية. وهل تتوافر فيها الآتي:
  1. هل يظهر الأستاذ وجهه لطلبته وهذا دافع يحفز الطلبة ويزيد حماسهم.
  2. هل الشرائح المستخدمة تتناسب واجهزة الطلبة، فالكثير منهم لا يمتلك حاسوباً.
  3. المصادر المختارة هل هي مفتوحة المصدر، وهل الطالب مؤهل لفهمها.
  4. الأسئلة ودرجة تعقيدها هل هي معقدة، تحليلية، تفسيرية، نمطية.
  5. هل الدرجة الممنوحة مرتبطة بالمشاركة التقليدية أم لا، أم بمنح مزيد من الحرية للطالب في انتقاء الاجابة التي يفهمها.
  6. هل حُدّد وقت معين لألقاء المحاضرة، أم هي تخضع لتقدير الاستاذ. وهل يتم تحديد وقت للمناقشة التفاعلية الحرة.
  7. هل يتشارك الأستاذ مع طلبته الحوار المفتوح للوقوف على مدى فهمهم للمادة، ومدى الصعوبات التي يواجهونها وإشراكهم في وضع طرق لحلها.

إن تجربة التعليم الإلكتروني عن بُعد جديدة في مجتمعنا، وإن نجاحها أو فشلها هو رهن بمدى قناعة الأساتذة فيها أولاً، فالتعليم هو مشروع شراكة بين الأستاذ والطالب، يبحث كلاهما فيه عن المعرفة في ظل حقبة أقل ما يمكن أن نطلق عليها اسم (تعليم الأزمات).

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال أعلاه لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز، وأنما تعبر عن وجهة نظر كتابُها