مع تسارع وتيرة انتشار فيروس كورونا Covid -19 المستجد عالمياً، تواجه دول العالم عدة تحديات جراء انتشار هذا الفيروس وانتقاله من بلد إلى آخر دون أي حل يلوح في الأفق حتى الآن، ويُعد الاقتصاد أكثر المتأثرين بسبب هذا الفيروس، وهو ما أدى إلى تقييد الحركة “وحرية السفر بين بلدان العالم، والحد من نقل البضائع بحرياً وبرياً، فضلاً عن رفع حالة الإنفاق على العمليات الاحترازية للحد من انتشاره”[1]، ومنذ الإعلان عن اكتشاف الفيروس في شهر كانون الثاني الماضي، لم تتراجع أسواق الأسهم في الصين فقط، بل امتد أثر ذلك على الأسواق الآسيوية والأمريكية بنحوٍ عام أيضاً.

في 24 شباط الماضي أعلنت الحكومة العراقية دخول العراق فعلياً في دائرة تفشي فيروس كورونا في أغلب محافظاته، إذ سُجلت محافظة النجف أول إصابة لطالب دين إيراني الجنسية فيها[2]، وأعلن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بموجب الأمر الديواني 55 في 3 شباط الماضي بتشكيل خلية أزمة بمتابعة الحد من انتشار هذا الفيروس ومنع انتقاله قدر الإمكان في المناطق الأخرى التي لم تسجل أي إصابة فيها، والعمل على تطبيق قرارات هذه الخلية في عموم مناطق العراق.

أعلن وزير الصحة العراقي بتأريخ 26 شباط الماضي عن جملة من الاحترازات للحد من انتشار فيروس كورونا داخل العراق، والعمل على متابعة مجريات الأمور والتعامل معها على وفق الحالة المستجدة، ومن جملة هذه الاحترازات:

  • تعليق السفر بين العراق، والصين، وإيران، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايلند، وسنغافورة، وغيرها من الدول الآسيوية التي ثبت انتشار الفيروس فيها.
  • تعطيل الدوام الرسمي في المؤسسات التربوية والتعليمية والجامعات.
  • حظر التجمعات في المناسبات الدينية، وغيرها.
  • تقليص الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية إلى 50٪ حتى مطلع شهر ميسان القادم.

وسرعان ما تطورت الحالة في أغلب المحافظات، وأُخذت بعض الإجراءات احترازاً لمواجهة حدة انتقال الفيروس وانتشاره، فأعلنت خلية الأزمة المشكلة على وفق الأمر الديواني رقم 55 لسنة 2020 جملة من الإجراءات بتأريخ 15 آذار الحالي للحد من تفشي الوباء والسيطرة على انتشاره ومن جملتها:

  • حظر التجوال في بغداد بشكل كامل لمدة 7 أيام، وتخويل المحافظات بذات الامر وتعطيل الدوام الرسمي في عموم البلاد.
  • تعليق الرحلات الجوية من وإلى العراق طيلة 7 أيام.

تضررت الأسواق العراقية جراء انتشار فيروس كورونا والإجراءات المتخذة حكومياً لاحتوائه، فالعراق يعتمد على تصدير النفط والاستفادة من إيراداته في موازنته السنوية على وفق أسعار النفط العالمية، وفيما تتخذ أغلب دول العالم إجراءات مالية وقانونية للتكيف مع تحديات أي وباء أو كارثة طبيعية التي غالباً ما تضر بالاقتصاد، فإن العراق يعاني الأمرين؛ فهو “لا يزال بدون موازنة مالية لهذا العام، وإنه دون حكومة فعالة منذ نحو أربعة أشهر”[3].

يعتمد العراق في أسواقه المحلية على المنتجات المستوردة، على الرغم من إصدار الحكومة العراقية في عامي 2018 و2019 عبر قرارات مجلس الوزراء المتضمنة منع استيراد بعض المواد الغذائية والخضروات ومواد البناء دعماً للاقتصاد الوطني، بيد أن ذلك لم يجدِ نفعاً؛ لأن العراق بسبب ما يعانيه من بنى تحتية صناعية منهارة وخطط تطويرية غير منسجمة وانعدام السياسة الاقتصادية، جعلت من الصعوبة بمكان أن يكون منعزلاً اقتصادياً، فهو يعتمد في استيراده للحاجات الاستهلاكية، وغيرها من مواد البناء والمواد الطبية والصناعية والغذائية على دول الجوار مثل: تركيا، وإيران، وعمان بل حتى خليجياً عبر الخليج العربي.

ومع دخول قرارات خلية الأزمة حيز التنفيذ تواجه السوق العراقية عجزاً كبيراً، فتم إغلاق المطاعم والمقاهي والمجمعات التجارية في أغلب محافظات العراق، وعلى وجه الخصوص في العاصمة بغداد إذ أغلقت السلطات نحو “3 آلاف من المطاعم التي خلقت جيشاً كبيراً من العاطلين عن العمل وعددهم عشرات الآلاف في عموم البلاد” [4]؛ وهذا بدوره سيؤثر في الحركة الشرائية داخل البلاد، فهذه المطاعم على -سبيل المثال- على أصحابها صرف المرتبات الشهرية للعالمين فيها حتى بعد غلقها؛ لأن ذلك يعد عرفاً، وإن لم يبادر أصحاب المطاعم أو المحال التجارية بصرف هذه المرتبات فسيذهب أغلب العمال للعمل في مكانات أخرى بعد انتهاء الأزمة.

على الرغم من استثناء خلية الأزمة المحال الغذائية وأسواق الخضار وغيرها مما يحتاجه المواطن من حاجاته اليومية، غير أنها تواجه اقبالاً ضعيفاً بسبب فرض حظر التجوال الذي فرض منتصف الأسبوع الماضي، فضلاً عن ذلك فربما تبادر الحكومة العراقية على تمديد هذا الحظر مرة أخرى ولمدة أطول من أجل الحد من انتشار الفيروس، ولكن تُثار مخاوف بشأن هذه الإجراءات أنها ستضر الاقتصاد العراقي من جراء استمرار إغلاق الكثير من المراكز التجارية والمالية، والبنوك، والمؤسسات الخدمية، والمطاعم، والمقاهي، ودور السينما التي أخذت رواجاً كبيراً في الآونة الأخيرة في بغداد، وارتيادها من قبل الشباب وتوفير فرص عمل كثيرة لأغلب الشباب البغدادي.

ربما ستواجه السوق المحلية العراقية في الأسابيع المقبلة شحاً في المواد الأولية والغذائية في الأسواق المحلية جراء إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية أمام البضائع والشحن الجوي مع أغلب دول المنطقة والعالم، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المخزونة لدى التجار؛ وبالتالي خلق ازمة جديدة مقابل حل أزمة أخرى متمثلة بفيروس Covid-19 المستجد الذي حتى اللحظة لم تصدر أي إحصائية رسمية بعدد الأشخاص المصابين به.

ومع انهيار أسعار النفط العالمية “إلى دون 28.42 دولار” [5]، فإن العراق خسر نصف إيراداته المالية، إذ أوضح مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية “أن الصادرات النفطية تشكل نسبة 98% من تدفقات العملة الأجنبية إلى العراق، في حين يشكل النفط 45% من الناتج المحلي الإجمالي، و93% من إيرادات الموازنة العامة؛ مما يجعله المورد الرئيس للاقتصاد”[6]، وهذا سيشكل صدمة كبيرة في الموازنة العراقية فيما لو تم التصويت عليها في الأسابيع القادمة إلى ضرورة العمل على إدارة الموارد المالية بحنوٍ أفضل من السابق ووضع الخطط البديلة في حالة بقاء أسعار النفط دون مستوى 40 دولاراً للبرميل الواحد، وإن انخفاض أسعار النفط سيلقي بظلاله على الواقع الصحي في العراق من طريق عجز الموارد المالية أمام تقديم الخدمات الصحية للمصابين.

سياسياً يواجه العراق تحدياً آخر وهو اختيار رئيس حكومة خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي في تشرين الثاني عام 2019، فالكتل السياسية غير متفقة حتى هذا اليوم على تسمية مرشح توافقي يحظى بمقبولية الجميع، وهو ما سيؤثر على الواقع العام في العراق فيما لو ارتفعت أعداد المصابين وانتشار الوباء في عموم محافظات العراق، فلو حدث ذلك سيحتاج العراق إلى حكومة تستطيع إعداد خطط لمواجهة الأزمة بكل أشكالها، وبرلمان يراقب أداء السلطة التنفيذية، وهو ما يفتقده العراق في الوقت الراهن.


[1]https://www.alarabiya.net

[2]https://www.skynewsarabia.com

[3]https://www.alhurra.com

[4] https://www.alaraby.co.uk

[5] https://www.fxnewstoday.ae/commodities/brent-oil-analysis

[6]https://www.aljazeera.net