حقق العراق هدفاً مهماً الأسبوع الماضي حينما أنهى أول عملية بيع مستقلة للسندات الحكومية بقيمة مليار دولار أمريكي بعد أن أكمل مسؤولون ومستشارون حكوميون حملة ترويجية استمرت أسبوعاً، شملت التوقف في لندن، وبوسطن، ونيويورك. وكان بنوك سيتي، ودويتشه بانك، وجي بي مورغان، والمصرف العراقي التجاري من كبار مديري هذا الطرح، الذي قد حُدِّدَ في البداية بنسبة 7%، ولكن الفائدة التي تم تعيينها للمستثمرين -التي ستُسدد عام 2023- خُفّضت إلى 6.75%.

يُعَدُّ هذا الأمر ثالث إصدار دولي للديون في العراق بعد حرب عام 2003، إذ في كانون الثاني من هذا العام أصدر العراق سندات بقيمة مليار دولار أمريكي بنسبة 2.149% مضمونة تماماً من قبل الحكومة الأمريكية، وقبل ذلك، كان العرض الوحيد المستقل للعراق قد جرى في عام 2006 لسندات بقيمة 2.8 مليار دولار أمريكي التي ستُسدد عام 2028، وهي حالياً 6.66%. ويعكس الطلب المرتفع على عرض الأسبوع الماضي -الذي تم الاكتتاب فيه بمقدار 7 أضعاف- الاهتمامَ المتزايد بعروض الديون من الأسواق الناشئة بما في ذلك أوكرانيا التي أصدرت سندات مماثلة مع عوائد بنسبة 7.1%.

وربما قد شُجِّع المستثمرون على الاستثمار بفعل جهود التغلب على العجز المالي الناجم عن انخفاض أسعار النفط، والتقدم العسكري الأخير ضد داعش في العراق بما في ذلك تحرير الموصل في أوائل شهر تموز الماضي، وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن العنف في العراق انخفض خلال الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له هذا العام، وعلى وفق البيانات التي جمعتها بعثة الأمم المتحدة في العراق فقد انخفضت الخسائر المدنية إلى أدنى معدل لها منذ شهر تشرين الثاني عام 2009، وعلى الصعيد الاقتصادي، قرر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي قراراً يكونُ العراق بموجبه مؤهلاً للحصول على قروض إضافية بقيمة 825 مليون دولار بعد انتهاء التقييم الثاني للعقد المبرم مع الصندوق الذي يمتد لثلاث سنوات؛ كجزء من حزمة إنقاذ بقيمة 5.4 مليار دولار تم توقيعها في شهر تموز عام 2016، ويُلزِمُ الاتفاقُ العراقَ العملَ على استعادة التوازن المالي وتحسين الإدارة المالية العامة، وحتى الآن، أنفق صندوق النقد الدولي ما يزيد قليلاً على 2.1 مليار دولار أمريكي.

879896858

في شهر آذار من هذا العام، قامت شركة التقييم فيتش راتينغس بتغيير تصنيفها للعراق من سلبي إلى مستقر، مع الحفاظ على النتيجة الرئيسة (–B) -إحدى تقييمات الشركة-؛ ويعكس هذا التقييم الوضع المالي المتحسن للعراق، إذ تواصل الحكومة تضييق العجز في الموازنة الذي انخفض من 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، ويبدو أن العراق سيصل إلى مبتغاه من مستوى الإنتاج نفطي البالغ 5 ملايين برميل يومياً في نهاية هذا العام، مع استمرار ارتفاع عائدات الصادرات النفطية. وتظهر أرقام شهر تموز أن الحكومة الاتحادية صدرت 3.23 مليون برميل يومياً، وجمعت ما يقرب من 4.4 مليار دولار من مبيعاته، ومع توقع تحقيق مزيد من التخفيضات في الإنفاق، وزيادة فرص الحصول على التمويل الدولي؛ فمن المرجح أن ينخفض ​​العجز إلى 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، وعلى وفق نشرة السندات التي وزعت على المستثمرين الأسبوع الماضي، بلغ العجز الحالي في ميزانية عام 2017 (21.44) مليار دولار أمريكي، وتهدف الميزانية التكميلية للعراق لعام 2017 إلى جمع نحو 19.7 مليار دولار أمريكي من خلال الاقتراض المحلي والدولي.

أما على الصعيد الحكومي فهناك الكثير من العمل ينبغي على الحكومة العراقية القيام به، ففي بيان صدر الأسبوع الماضي أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الحكومة العراقية ستحتاج إلى تكثيف جهودها الإصلاحية بما في ذلك: “تسهيل عمليات منع غسيل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، وتعزيز تشريعات مكافحة الفساد”، وفضلاً عن ذلك يجب أن تكون إعادة بناء هيكلة البنوك المملوكة للدولة أيضاً أولوية رئيسة للحكومة.

والجدير بالذكر أن الاستقرار المالي العام لا يقتصر على قدرة العراق على خفض الإنفاق المهدور، بل أيضاً يعتمد على زيادة الإيرادات غير النفطية، حتى مع ارتفاع أسعار النفط بنحوٍ متواضع، وتشير بيانات وزارة المالية إلى أن الحكومة جلبت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام نحو 2.8 مليار دولار من الإيرادات غير النفطية التي تمثل 13% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وطالما يستمر الوضع الأمني ​​في التحسن، فإن العراق يمتلك فرصة جيدة لجذب التجار والمستثمرين اللذينِ تشتد الحاجة إليهما؛ لتلبية احتياجات عمليات إعادة الإعمار خلال العامين المقبلين.


 

المصادر:

  1. Reuters: Iraq in market to raise $1 billion, first standalone bond in over decade https://goo.gl/B7Qe7h
  2. Wall Street Journal: Iraq Set to Raise $1 Billion in Bond Sale https://goo.gl/XS2Sk3
  3. Bloomberg: Iraq Sells Bonds. Greed Beats Fear https://goo.gl/aqQ7gh
  4. Financial Times: Investors rush to buy Iraq’s first independent bond https://goo.gl/4D2kfX
  5. International Monetary Fund: IMF Executive Board Completes Second Review of Iraq’s Stand-By Arrangement and the 2017 Article IV Consultation https://goo.gl/8szmMX
  6. Bloomberg: Iraq Tightens Pricing on $1 Billion International Bond Sale https://goo.gl/yb54LF
  7. Ministry of Finance http://www.mof.gov.iq