د. عدنان فرحان الجوراني/ كلية الإدارة والاقتصاد – القرنة – جامعة البصرة
تُعدّ المشتريات الحكومية من الأدوات الرئيسة لتنفيذ السياسات العامة وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تمثل نسبة كبيرة من الإنفاق العام. غير أن نظام المشتريات في العراق يواجه مشكلات إدارية وتشريعية وهيكلية تحدّ من كفاءته وشفافيته. ومن هنا تنبع أهمية دراسة دور إصلاح نظام المشتريات الحكومية في دعم جهود التنمية الوطنية، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد العامة، وتحقيق النمو المستدام.
يُعدّ نظام المشتريات العامة أداة محورية لتقديم الخدمات العامة وتحقيق النتائج المرجوة والأداء المطلوب، كما يستخدم كأداة استراتيجية لتعزيز الأداء الحكومي وتحسين جودة الخدمات. ولضمان فعالية الإصلاح، يلزم اتباع مقاربة متعددة الأوجه، إذ لا يكفي قياس كفاءة أنظمة المشتريات العامة بالامتثال الرسمي للإجراءات فحسب، بل يجب أن يشمل التقييم الأهداف التنموية وأهداف السياسات العامة الأخرى.
تُعدّ المشتريات الحكومية أحد أكبر مكونات الإنفاق العام في الدول العربية، حيث تتراوح نسبتها بين 12% و20% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتجاوز 27% في العراق. وتعتبر هذه المشتريات أداة مركزية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان جودة الخدمات العامة، وتعزيز الحوكمة. وقد شهد العقد الماضي موجة إصلاحات في عدد من الدول العربية، أبرزها الأردن والسعودية والإمارات ومصر والمغرب وتونس، ركّزت على تحديث التشريعات، واعتماد الرقمنة، وتوحيد إجراءات الشراء، ورفع مستوى الشفافية.
تتمتع المشتريات الحكومية بأهمية بالغة في تحفيز النمو الاقتصادي على الصعيد المحلي، إذ تشكل إحدى أهم أدوات السياسة المالية للدولة، كما لها دور مماثل في التجارة الدولية سواء في الشق السلعي أو الخدمي. ونظراً لهذه الأهمية، أصبح موضوع المشتريات الحكومية منذ أكثر من أربعين عاماً عنصراً محورياً في مفاوضات واتفاقيات التجارة الدولية، سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي أو الدولي. وقد نتج عن هذا الاهتمام اتفاقية المشتريات الحكومية (Government Procurement Agreement – GPA)، التي تُعدّ حالياً إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ودخلت حيز النفاذ في عام 2014 بعد مصادقة العدد اللازم من الدول، وتم تطبيق صيغتها الجديدة في كانون الثاني/يناير 2021.
فضلاً عن ذلك، تشكل المشتريات الحكومية العمود الفقري للإنفاق العام، بدءاً من البنية التحتية وصولاً إلى التجهيزات والخدمات الفنية. ويؤثر ضعف نظام المشتريات على عدة جوانب أساسية، منها:
- كفاءة تخصيص الموارد.
- جودة المشاريع الحكومية.
- قدرة الدولة على جذب القطاع الخاص.
- مستويات الفساد وتكاليفه.
- تحقيق أهداف التنمية الوطنية.
المشكلة المركزية التي تتناولها هذه الورقة يمكن تلخيصها فيما يلي: يعاني نظام المشتريات الحكومية في العراق من ضعف الحوكمة والشفافية وتشتت التشريعات، مما يؤدي إلى هدر مالي وانخفاض كفاءة الخدمات العامة. وتهدف الورقة إلى تقديم مسار إصلاح شامل يعزز التنمية الوطنية. وتشمل الورقة تشخيصاً دقيقاً لجذور المشكلة وتحليلاً للفجوات المؤسسية، كما تستند إلى مقارنات دولية، لاسيما تجربة سنغافورة، للخروج بخارطة طريق لإصلاح يمتد لخمس سنوات، ويعزز الدور التنموي للمشتريات الحكومية.




