back to top
المزيد

    المخاطر الموثّقة والمحتملة للتغيّرات المناخيّة (تقييم تداعيات النزوح على الأطفال وأسرهم)

          يحتلّ العراق المرتبة (61) من أصل (163) بلداً في مؤشّر اليونيسف عن مخاطر المناخ على الأطفال. وتمّ توصيفه بحسب التقرير السادس للأمم المتّحدة للبيئة العالميّة (GEO) بأنّه خامس دولة معرضة لنقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة العالية.وفي المرتبة (39) بين الدول الأكثر إجهاداً للمياه. يرجع هذا الترتيب المرتفع إلى مخاطر تغيّر المناخ الشديدة التي يتعرض لها السكّان في العراق. فإن ما يقرب من (60%) من العراقيّين تقلّ أعمارهم عن (25) عامًا، ممّا يحتّم العمل الجاد على الحدّ من أثر تغيّر المناخ على صحّتهم وتعليمهم وحمايتهم، فضلاً عن تركيز الاهتمام بالأطفال بوصفهم صنّاع التغيير والمشاركين في صياغة مستقبل مزدهر للبلاد. وبهدف تعزيز جهود العراق في الحدّ من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه، اقترحت اليونيسف تدابير جريئة لدعم حكومة العراق في حماية الأطفال والشباب من آثار تغيّر المناخ، وتمكينهم لكي يتوصّلوا إلى قيادة العمل المتعلق بتغيّر المناخ، وتفعيل الإجراءات الخاصّة بالمناخ والبيئة والطاقة وإدارة مخاطر الكوارث، والتي تراعي الفوارق بين الجنسين وتكون شاملة للفئات الأكثر ضعفاً من العراقيّين.

          يمتلك العراق نظم بيئيّة طبيعيّة غنيّة بالتنوّع البيولوجيّ إلا إن موقعه الجغرافي ضمن المناطق الجافّة وشبه الجافّة جعله واحداً من البلدان الأكثر عرضه لتأثير التغيّر المناخيّ العالميّ، ويتجلى ذلك من خلال الظواهر المناخيّة التي لم يعهدها من قبل كانخفاض معدلات الأمطار وانخفاض مناسيب مياه البحيرات والأنهار وارتفاع درجات الحرارة بمعدلات غير مسبوقة بما يزيد عن ضعف المعدل العالميّ وحدوث الحرائق وزيادة العواصف الغبارية في شدتها وتواترها والمدد الزمنية لحدوثها وتزايد ظاهرة التصحّر، الأمر الذي سبب ضغط على النظم البيئيّة والتوازنات التي تحدثها، ممّا ساهم في تقليص رقعة إنتشار العديد من أنواع النباتات المستوطنة وإنخفاض أعداد الحيوانات البرية أو إنقراضها نتيجة تأثير التغيّر المناخيّ. وبحسب الإتحاد الدَوليّ لصون الطبيعة IUCN فإنّ ذلك يعد تهديداً مباشراً من حيث الشدة على النظم البيئيّ والتنوّع البايولوجي، ولكن على الرغم من تلك الضغوطات لا تزال مناطق واسعة من العراق ذات أهمّيّة عالمية ومحلية منها على سبيل المثال مناطق الأهوار والتي أدرجت على لائحة التراث العالميّ لأهميتها، فضلاًعن إعلان العديد من المناطق المحميّة ذات الغنى الطبيعيّ، وما توفّره من خدمات بيئيّة ذات مردود اقتصاديّ هام.

          تتركّز أراضي العراق الخصبة ومعظم سكّانه بين نهري دجلة والفرات، ويمتدّ ساحله القصير (58) كيلومتراً على طول الخليج العربي. شماله جبليّ، أمّا جنوبه فيضمّ الأهوار. تتميز مناطقه المناخيّة الثلاث (الصحراويّ والسهوب شبه القاحلة ومناخ البحر الأبيض المتوسّط) بفصول الشتاء الباردة والصيف الجاف الحار، مع هطول أمطار موسمية وهبوب رياح جافة وساخنة في أوقات معيّنة من العام. ففي العام 2021، بلغ عدد سكّان العراق (41) مليون نسمة، (30%) منهم من سكّان الريف، فيما بلغ عدد الأطفال دون سن الثامنة عشر نحو (19) مليوناً وبنسبة (47%) من مجموع السكّان. تأتي الإيرادات الحكومية بشكل إجمالي تقريباً من النفط. وقد أظهرت دراسة أنجزت في العام 2022 أن (20%) من العراقيّين كانوا تحت خط الفقر في عام 2012، وقد وصلت النسبة إلى (30%) بعد جائحة كورونا، ويزداد احتمال أن يعيش الأطفال في فقر متعدّد الأبعاد، وينتمي عددٍ كبيرٍ منهم إلى أُسر تعيلها إناث. وقد أدّت سنوات من عدم الاستقرار وانعدام الأمن إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبُنية التحتية وخلفت أعداداً كبيرة من النازحين والمهاجرين.

          ويبلغ متوسّط نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العراق (4,9) طناً متريّاً سنويّاً، ينتج ثلاثة أرباعها تقريباً عن قطاع الطاقة. وهذا لا يأخذ في الحسبان انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن كميّات كبيرة من النفط والغازالمنتجة والمصدّرة في العراق. إنّ قطاع الطاقة هو المصدرالرئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري داخل البلد؛ إذ يتم توليد معظم الكهرباء من خلال حرق الوقود الأحفوري (81%)، في حين أن (19%) تُنتَج من الطاقة الكهرومائية. ومع ذلك، فإنّ الطلب على الكهرباء يفوق توليد الطاقة، فيعتمد الكثيرون على مولّدات الديزل لتعويض النقص.

          كما أدّى الإنخفاض الحاد في الأراضي الزراعيّة، والتنوّع البيولوجيّ في الزراعة، وتدهور الأراضي والتربة، وزيادة الكثبان الرملية، إلى زيادة العبء والضغط، وهجرة الحيوانات ونفوقها؛ إذ تفاقمت أعداد العواصف الترابية التي شهدها البلد في عام 2022 والتي تسببت في وفيات بشرية، فضلاً عن جفاف بحيرة ساوه في محافظة المثنى في العام نفسه بسبب أزمة المياه. أن التوقعات حتى عام 2040، تظهر ضغوطاً وإجهاداً متزايداً على مصادر المياه في العراق، والتي تواجه ايضاً تحديات كبيرة من التلوث الناجم عن صناعة النفط ومياه الصرف الصحيّ، وضعف الإدارة البيئيّ، والحرائق. واقترانا بشحة المياه وندرتها فقد أدت إزالة التربة السطحية وانخفاض إنتاجيّة الأراضي إلى انخفاض إنتاج الغذاء في العراق؛ إذ أظهرت دراسة استقصائية أجريت في العام 2021، والتي شملت (7) محافظات، أن (37%) من مزارعي القمح و(30%) من مزارعي الشعير يعانون من فشل المحاصيل. في الوقت نفسه، انخفضت الإيرادات والمداخيل؛ إذ لا يملك المزارعون محاصيل محصودة لبيعها، ممّا يؤثّر بشكل مباشر على الأمن الغذائيّ. 

          من جانبٍ آخر، وفي السياق نفسه، تشير قواعد بيانات وزارة الهجرة والمهجرين إلى تسجيل نحو (14,276) عائلة نازحة جراء التصحّر والجفاف في محافظات جنوب ووسط العراق حتى حزيران من العام الحالي، توزّعوا في سبعة محافظات (ذي قار 6,977، ميسان 1,627، المثنى 1,492، البصرة 951، واسط 13، القادسية 2,478، النجف 738). جاء نصيب محافظة ذي قار وافراً منها وبنسبة (49%) من مجموع العوائل المسجلة لدى الوزارة، فيما استقطبت محافظة القادسية نحو (17%) من مجموع النازحين لتحل بالمرتبة الثانية.

          ومن هنا، تأتي الدراسة الحالية بوصفها استجابة ملحّة لتقييم إحتياجات العوائل النازحة جراء التغيّرات المناخيّة “التصحّر والجفاف” في محافظات جنوب العراق (ذي قار، ميسان، المثنى، البصرة) والتي استقطبت بمجملها نحو (84%) من مجموع النازحين المسجلين لدى وزارة الهجرة الإتحادية. ومحاولتها التركيز على تقدير أثر النزوح على الأطفال بنحوٍ خاص. كما يركز تقييم الإحتياجات على إستكشاف ومعرفة خصائص الصحّة والتغذية، والتعليم والانتظام بالدراسة، والوصول للخدمات والمتطلّبات الأساسيّة، فضلاً عن مدى توفر الحماية والأمن للعوائل النازحة.

    وتستهدف الدراسة أيضاً الخروج بمجموعة من الحلول والمعالجات سياساتية الطابع وتطبيقية التنفيذ، والتي من شأنها أن تسهم في تمكين النازحين وأبنائهم والتخفيف من معاناتهم.

     جرى تصميم استبانة تقييم اشتملت على (33) سؤالاً، (13) سؤالاً ديموغرافياً وُجِّهَ لأرباب العوائل، ونحو (20) سؤالاً تقييماً عبر عن آراء ومواقف المبحوثين بإزاء المحاور الأربعة الرئيسة التي تضمنها التقييم والتي جرى الإشارة إليها آنفاً.

      اعتمدت الدراسة منهجية المسح بالعيّنة من خلال المقابلات المباشرة للعوائل في المناطق التي نزحوا إليها، وبواقع (1000) مقابلة ناجحة تمثل نحو (7%) من إطار المعاينة لمجتمع الدراسة، شارك في تنفيذ المقابلات نحو (30) راصداً ميدانياً يعملون في فروع وزارة الهجرة في المحافظات المعنيّة. كما أشرف على إدارة وتنفيذ المسح الباحث الرئيس؛ إذ عمل على تدريب الراصدين الميدانيين (منفذي المقابلات مع العوائل في بيئات النزوح)، وتصميم خطة التنفيذ واقتراح البدائل لضمان الاستجابة.

     اعتمد في تنفيذ المقابلات الميدانية على إعداد قاعدة بيانات إلكترونيّة، واستخدام الأجهزة اللوحيّة لتحقيق نحو (250) مقابلة ناجحة في كلّ محافظة. جرى مراعاة توزيع وإنتشار النازحين في أقضية ونواحي المحافظة، فضلاً عن تنوّع مناطق الأصل، وذلك من خلال الإستعانة بخبرات فروع وزارة الهجرة في المحافظات المستهدفة؛ إذ تم الركون إلى قواعد بيانات تسجيل العوائل المتوافرة لديهم، فضلاً عن تقارير الزيارات الميدانية ونشاطات توزيع مواد الإغاثة.

    استغرق وقت تنفيذ المقابلات الميدانية نحو ستة عشر يوماً للمدة من 27-5 ولغاية 11-6-2024، فيما امتد زمن تنفيذ المسح والدراسة بجانبيها النظري والميداني نحو أربعة أشهر (شباط- حزيران) من العام الماضي.

    لقراءة وتحميل الكتاب اضغط هنا

    اقرأ ايضاً

    مكتبة البيان