back to top
المزيد

    واحة البيان

    خط دوراند: كيف يعيد التصعيد الافغاني الباكستاني رسم خريطة التوازن الجيوسياسي في اسيا الجنوبية؟

    مقتدى عثمان علي / ماجستير علاقات دولية

    في لحظة تاريخية مشحونة بالتوترات الجيوسياسية اعلنت باكستان وافغانستان اليوم عن هدنة فورية بعد أكثر من اسبوع من الاشتباكات الحدودية المميتة التي اسفرت عن عشرات القتلى والقت بظلالها على استقرار المنطقة بأكملها.

    هذه الهدنة التي جاءت برعاية قطرية – تركية في الدوحة ليست مجرد وقف إطلاق نار مؤقت، بل نقطة تحول استراتيجية قد تعيد تشكيل ديناميكيات الردع والتحالفات في قلب اسيا الجنوبية. فبينما يبدو الخط الحدودي دوراند ذلك الشريان الوعر الذي يمتد لأكثر من 2600 كيلومتر مجرد خط جغرافي إلا أنه في الواقع ساحة لصراعات السيادة والمصالح الإقليمية حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والسعودية.

    الشرارة الاستراتيجية من الهجمات السرية إلى الغارات الجوية، بدأ التصعيد الفعلي في الثامن من اكتوبر 2025 عندما شنت جماعة تحريك طالبان باكستان TTP هجوما مدمرا على قوات باكستانية في مقاطعة خيبر بختونخوا قرب الحدود الافغانية مما أسفر عن إصابات وخسائر مادية كبيرة. كانت هذه الضربة ليست عشوائية، بل جزءا من تكتيكات حرب غير نظامية تعتمد على التنقلات السرية عبر الخط الحدودي المتنازع عليه حيث يجد مقاتلو TTP ملاذا آمنا في الاراضي الافغانية تحت سيطرة طالبان. ردت باكستان بغارات جوية مكثفة في التاسع من اكتوبر استهدفت مواقع في كابول وخوست وجلال آباد وبكتيكا بهدف القضاء على قيادات TTP بما في ذلك زعيمها نور ولي محسود. هذه الغارات لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة ردع واضحة باكستان مدعومة باتفاق دفاعي سعودي حديث لن تتسامح مع أي تهديد لسيادتها الحدودية.

    من الناحية الاستراتيجية يعكس هذا التصعيد تحولا في التوازن القوى داخل الاقليم فأن طالبان او افغانستان كانت تعتبر حليفا تاريخيا لباكستان أصبحت اليوم مصدر تهديد محتمل بسبب رفضها تسليم مقاتلي TTP مما يشير إلى صراع داخلي على الهوية البشتونية والسيطرة على الممرات التجارية. وفقا لتقارير استخباراتية زادت عمليات التهريب والتنقلات المسلحة في الاسبوع السابقة للاشتباكات بنسبة 40٪ مدفوعة بضعف السيطرة الافغانية على الحدود الشرقية مما يفتح الباب أمام سيناريوهات أسوأ مثل توسع نفوذ داعش خراسان في الفراغ الأمني.

    اللاعبون الخفيون: جيوسياسية النزاع ومخاطر التصعيد لا يقتصر النزاع على الجانبين المباشرين إنه شبكة معقدة من المصالح الإقليمية والدولية. باكستان التي عززت تحالفاتها مع السعودية عبر اتفاق دفاعي متبادل في سبتمبر الماضي تستخدم هذه الاشتباكات لتعزيز صورتها كحارس للحدود الغربية ضد الإرهاب خاصة بعد الوساطة الامريكية الناجحة في نزاعها مع الهند أوائل العام الحالي. أما أفغانستان فترى في الغارات الباكستانية انتهاكات لسيادتها مما دفعها إلى عمليات انتقامية أرضية في مناطق مثل سبين بولداك وتورخام اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 23 جنديا باكستانيا.

    على الصعيد الدولي تبرز الصين كلاعب رئيسي حيث تهدد الاشتباكات مشروع الحزام والطريق الذي يعتمد على الاستقرار الحدودي لربط كشمير بوسط اسيا. كما أن الولايات المتحدة التي دعت مؤخرا إلى استعادة قاعدة باغرام قد تستغل التوترات لتعزيز نفوذها في كابول مما يعقد استراتيجيات الردع الإقليمي.

    الخبراء يحذرون من أن فشل الهدنة قد يؤدي إلى حرب بالوكالة حيث تتدفق الأسلحة من خلال الشبكات الإيرانية أو الروسية مما يزيد من الضغط على التوازن النووي الباكستاني الهندي.

    آفاق الهدنة من الوقف المؤقت إلى السلام الاستراتيجي مع تمديد الهدنة ل 48 ساعة إضافية وجدولة محادثات مفصلة في 25 اكتوبر يبدو الطريق نحو السلام الدائم وعرا. الوساطة القطرية التركية التي نجحت في تهدئة التصعيد الليلي في 12 اكتوبر تعتمد على مبدأ الاحترام المتبادل للحدود لكن التحدي الحقيقي يكمن في حل الخلافات الجذرية حول خط دوراند الذي يعتبر من طالبان حدودا استعمارية غير مشروعة. استراتيجيا يجب أن تشمل أي اتفاق مستقبلي آليات للرقابة المشتركة على الحدود بالإضافة إلى برامج نزع سلاح TTP لتجنب تكرار سيناريو الاشتباكات المتقطعة التي شهدتها المنطقة في السنوات السابقة. في الختام يعد نزاع اكتوبر 2025 تذكيرا بأن الاستقرار الإقليمي ليس مصيرا، بل نتيجة لاستراتيجيات مدروسة في الردع والحوار. إذا نجحت الهدنة في ترجمة الوعود إلى واقع فقد تفتح الباب أمام تعاون اقتصادي يعزز التنمية المستدامة وإلا فإن خط دوراند سيظل شريانا للدماء والتوترات. المنطقة تنتظر خطوة استراتيجية جريئة قبل أن يتحول التصعيد إلى صراع إقليمي يحرك الصراعات الداخلية في كل المنطقة.

    اقرأ ايضاً