آمنة علي العسكري
أعلنت مصادر في منظمة البلدان المصدّرة للبترول “أوبك” وحلفاؤها المعروفون بتحالف “أوبك بلس” لاتخاذ خطوة جديدة برفع مستوى إنتاج النفط بعد أشهر طويلة من النقاشات والمداولات. هذه الزيادة التي قد تتراوح بين مئة وثلاثين ألفًا وثلاثمئة وخمسين ألف برميل يومياً، ليست مجرد رقم يضاف إلى الحصص الإنتاجية، بل هي قرار يحمل في طياته الكثير من الرسائل الاقتصادية والسياسية في وقت يعيش فيه العالم حالة من التذبذب بين تراجع الطلب وتقلّب الأسعار.
في الكواليس، لم يكن الوصول إلى هذا القرار سهلاً. فالدول المنتجة تجد نفسها دائماً بين خيارين صعبين: إما دعم الأسعار عبر خفض الإمدادات والقبول بمستوى إنتاج أقل، أو السعي إلى توسيع حصتها في السوق العالمية حتى وإن أدى ذلك إلى ضغوط سعرية. وبين هذين الخيارين، تتجدد الخلافات وتتصاعد النقاشات، لكن في النهاية لذلك يسعى التحالف إلى إيجاد صيغة تحفظ التوازن وتُظهر قدرته على إدارة السوق العالمية في مواجهة منافسة متنامية من منتجين كبار خارج أوبك، مثل الولايات المتحدة والبرازيل.
أما العراق، وهو ثاني أكبر منتج في المنظمة بعد السعودية فيقف عند مفترق طرق مهم. فالقرار يمنحه فرصة لزيادة صادراته النفطية وبالتالي تعزيز إيراداته التي يعتمد عليها بشكل رئيسي لتمويل موازنته العامة. لكن في المقابل يبقى التحدي قائماً في مدى قدرة البنية التحتية العراقية على استيعاب الكميات الإضافية سواء من حيث التخزين أو النقل أو التصدير. فزيادة الإنتاج تحتاج إلى منظومة متكاملة من الموانئ والأنابيب والمنشآت اللوجستية، وهي نقاط لا تزال تشكل عبئاً على بغداد منذ سنوات. اما على المستوى العالمي، فإن أي زيادة في الإنتاج تُترجم فوراً إلى توقعات متباينة حول الأسعار.
بعض المحللين يرون أن الخطوة قد تؤدي إلى انخفاض نسبي إذا لم يقابلها ارتفاع في الطلب خاصة في ظل تباطؤ اقتصادي يلوح في الأفق في بعض المناطق. لكن آخرين يعتبرون أن القرار قد يحقق استقراراً أكبر ويمنح الأسواق نوعاً من الطمأنينة في مواجهة مخاوف نقص الإمدادات أو اضطرابها.
في النهاية، يبدو أن تحالف “أوبك بلس” يحاول كعادته اللعب على حافة التوازن. فهو لا يريد انهيار الأسعار كما حدث في أزمات سابقة، ولا يرغب أيضاً في خسارة حصته لصالح المنتجين المستقلين الذين يواصلون التوسع. وهكذا يبقى القرار الأخير بمثابة اختبار جديد لإرادة الدول الأعضاء وقدرتها على الالتزام الجماعي بما تقرره الطاولة المشتركة. وما بين حسابات السياسة والاقتصاد، يظل النفط عاملاً حاسماً، ليس فقط لموازنات الدول المنتجة مثل العراق والسعودية، بل للاقتصاد العالمي بأسره، الذي ما زال يعتمد على هذه السلعة الاستراتيجية رغم كل الحديث عن الطاقة المتجددة والبدائل النظيفة.




