back to top
المزيد

    واحة البيان

    إشكالية الناخب والمال: حين يُباع الوطن بثمنٍ بخس

     رامي الشمري

    في قلب كل عملية انتخابية نزيهة، يُفترض أن يكون الناخب حجر الزاوية، والعنصر الأهم في صناعة القرار السياسي، لكن ماذا لو انقلب هذا الناخب في بعض الاحيان من ضامنٍ للديمقراطية إلى خنجرٍ في خاصرتها؟ ماذا لو أصبح صوته سلعةً تُباع وتشترى، لا فرق فيها بين الفاسد والنزيه، وبين من نهب الوطن ومن دافع عنه؟

    من الميدان: أصوات للبيع

    من خلال عملي في إدارة الحملات الانتخابية، واحتكاكي المباشر مع آلاف الناخبين، سواء عبر اللقاءات الشخصية أو من خلال وسطاء مجتمعيين، اصطدمت بحقيقة موجعة: السؤال الأبرز لم يكن: “من هو المرشح؟” بل: “كم تدفعون؟” صوت المواطن، الذي يُفترض أن يختزل أمل 45 مليون عراقي، بات يُساوم عليه في سوق نخاسة سياسي. تُشير تقارير محلية ودولية إلى أن ما لا يقل عن 30% من الأصوات في بعض المحافظات تُباع أو تُوجَّه عبر المال الانتخابي. بمعنى آخر: ثلث البرلمان يُنتخب بالمال، لا بالكفاءة

    أنماط الناخبين: ثلاثية الانسحاب والانكسار والانتماء

     المتقاعس: ذاك الذي لا يكترث للوطن ولا لمستقبل أبنائه. سلبيته ليست حيادًا… بل خيانة صامتة. إنه يُفرّغ الساحة للفاسدين، ويمنحهم فرصة ذهبية للعودة دون مقاومة

      المحبط: هو من جُرّب سابقًا، فخاب أمله، وظن أن بيع صوته “يستعيد حقه”، الحجة الأخطر التي يتبناها: “كلهم كاذبون، فلنأخذ منهم ما نستطيع ولو مالًا”، لكن الحقيقة أن بيع الصوت لا يُعاقب السياسي، بل يُعيد انتخابه. أنت لا تنتقم من المرشح، بل تنتقم من نفسك
      المقاطع الأيديولوجي: صاحب الوعي والانتماء، لكنه مقيّد بولاءات حزبية أو طائفية، يعرف أهمية صوته لكنه في صراع دائم بين المشاركة والمقاطعة، هذا الناخب، هو الأكثر قابلية للاستقطاب… بشرط أن يُخاطَب بذكاء

    المرشح الشبح: التصويت للظلّ
    من أبرز تشوّهات المشهد الانتخابي في العراق هي ظاهرة “المرشح الشبح”، ذلك الذي لا يُرى، لا يُسمع، لا يتواصل، قد يكون زعيم حزب، أو رئيس وزراء، أو وزيرًا نافذًا… لكنك لا تعرفه إلا من خلال الإعلام أو “الكاريزما التاريخية”. نتيجة هذا النمط؟ علاقة باردة، بدون متابعة، ولا محاسبة… فقط صندوق اقتراع، ونتائج لا تخدم إلا أصحاب النفوذ

    المال مقابل الصوت: الجزء الأخطر في منظومة الفساد

    نجلد السياسي الفاسد يوميًا في الإعلام والمقاهي ومواقع التواصل، لكننا ننسى أن هذا السياسي لم يهبط علينا من المريخ، بل صعد على أكتافنا، بأصوات اشتراها من أفواه الجياع أو ممن باعوا الوطن بملء إرادتهم، من يبيع صوته قد لا يُسجن… لكنه يُدين نفسه أمام الله والتاريخ والوطن

    الخاتمة: صوّت كأنك تصوّت لحياة ابنك

    الانتخابات ليست منافسة حزبية… بل مفترق طرق بين، قيمك وخوفك، وعيك وطمعك، وطنك ومصلحتك الضيقة. قبل أن تضع إصبعك في الحبر، اسأل نفسك: هل هذا الصوت سيبني وطنًا… أم سيدفن ما تبقى منه؟ صوتك ليس رأيًا فقط، إنه إما لبنة في جدار الدولة، أو طوبة تُلقى في هوة الفساد. اختر جيدًا. فثمن الصوت لا يُدفع مرة واحدة فقط، بل يُخصم من أعمارنا جميعًا

    اقرأ ايضاً