اقتصادٌ على حافة المضيق: العراق ومحنةُ التصدير النفطي في زمن التهديدات البحرية
د. علي احمد عبد مرزوك/ باحث عراقي متخصص بالسياسات الأمنية والعسكرية
شكل الثالث عشر من حزيران/يونيو 2025 نقطة تحول استراتيجية فارقة، دفعت المنطقة إلى انزلاق غير مسبوق في ميزان القوى، مع اندلاع مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرةٍ بين إيران وإسرائيل، أنهت فعلياً نمط الاشتباك غير المباشر، وفتحت الباب على مصراعيه أمام صراعٍ مكشوف السمات وواسع النطاق. وخلال ساعاتٍ قليلة، انهمرت الطائراتُ المُسيرةُ والصواريخ الذكية على أهدافٍ حيويةٍ للطرفين، في ضرباتٍ مُركزة، رافقتها هجماتٌ سيبرانيةٌ عاليةُ التعقيد، اخترقت البُنى التحتية الحيوية واقتربت من نُظم تشغيل المُفاعلات النووية الإيرانية، بما يعكس تحولاً جوهرياً ليس في التكتيك فحسب؛ بل في طبيعة الردع الإقليمي ذاته، إيذاناً بمرحلةٍ جديدةٍ تتجاوز الحسابات التقليدية للصراع.
غير أن خطورة هذه المواجهة لا تنحصرُ في بُعدها القتالي، بقدر ما تتبدى في ارتداداتها الجيوسياسية العميقة، والتي امتدت على طول جغرافيا الشرق الأوسط، لتطال منظومة الطاقة الدولية برمتها، وتُهدد بُنية الأمن الاقتصادي للدول المجاورة، وفي طليعتها العراق. فالعراق، الذي لم يكن طرفاً مباشراً في هذا النزاع، وجد نفسه – موضوعياً – على تخوم مسرح العمليات، وتحت وطأة التأثير الاستراتيجي المباشر، في ظل اعتمادٍ شبه مُطلقٍ على عوائد النفط، وشبكة تصديرٍ أحادية الاتجاه، تنكشفُ عند أول اضطرابٍ في مضيق هرمز.
وإذ لا يمكن فصل هذا المشهد عن حقيقة أن مضيق هرمز – على ضيقه الجغرافي – قد أصبح في الحسابات الاستراتيجية سلاحاً بيد أطراف لا تضع المصلحة العراقية في سلم أولوياتها، فإن أي تصعيد – ولو كان محدوداً – قد يكون كافياً لإشعال أزمة مالية شاملة في العراق، تعيد رسم ملامح المشهد الاقتصادي والسياسي للدولة، ليس بوصفها متأثرة بالأحداث، بل بوصفها رهينة لها. وهكذا، فإن كل تصعيد في وتيرة المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية لا يعد تهديداً أمنياً في بعده المجرد فحسب، بل يمثل في جوهره اختباراً صريحاً لقدرة العراق على حماية شريانه الاقتصادي الحيوي، وتحقيق الشرط السيادي في واحدة من أكثر مناطق العالم اشتعالاً. ولعل السؤال الجوهري الذي تفرضه هذه اللحظة الحرجة هو: هل يملك العراق بدائل استراتيجية فاعلة – وذات كلفة محتملة – لتصدير نفطه خارج قبضة مضيق هرمز؟ أم أن افتقاره إلى شبكة تصدير سيادية يجعله يقف على حدود الخطر عند كل اضطراب إقليمي؟