back to top
المزيد

    واحة البيان

    تراجع اداء مجلس النواب في الدورة البرلمانية الخامسة

     

    د. ايات مظفر نوري

    شهد العراق بعد عام 2003 تحوّلات سياسية مهمة وكبيرة، كان من أبرزها تأسيس نظام برلماني يُفترض أن يمثّل الإرادة الشعبية ويشرّع القوانين التي تضمن استقرار الدولة ونهوضها. لكن مع انقضاء الدورة البرلمانية الخامسة، وبمقارنتها مع سابقاته من الدورات بات من الجلي أن النظام التمثيلي يعاني أزمة عميقة، تتجسد في ضعف أداء النواب، وغياب الفاعلية التشريعية، ما انعكس سلباً على ثقة الشارع بالمؤسسة البرلمانية. كان من المتوقع أن تُشكّل الدورة البرلمانية الخامسة نقطة تحول في المسيرة الديمقراطية للدولة. فقد انبثقت بعد سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي أعادت تشكيل الوعي العام ورفعت سقف التوقعات بالإصلاح والشفافية والتمثيل الحقيقي. ومع ذلك، ومع اقتراب الدورة من نهايتها، اتسمت بفشل ذريع في وظيفتيها التمثيلية والتشريعية، مما يُلقي بظلال من الشك على جوهر الديمقراطية البرلمانية.

    اولاً. أزمة تمثيل

    تتمثل الوظيفة الأساسية لأي هيئة تشريعية في تمثيل إرادة الشعب ومصالحه. ومع ذلك، اتسمت الدورة البرلمانية الخامسة إلى حد كبير بانقطاع الصلة بين المسؤولين المنتخبين ودوائرهم الانتخابية. فقد أعطى العديد من الأعضاء الأولوية للمصالح الشخصية أو الحزبية أو الطائفية على حساب الاحتياجات الوطنية. وكثيراً ما دارت المناقشات البرلمانية حول الاستحقاقات الفئوية والنفوذ والأجندات الضيقة، بدلًا من معالجة المطالب الملحة للمواطنين مثل البطالة والخدمات العامة والتعليم والإنعاش الاقتصادي قوانين ذات صلة بالسياسة الخارجية كازمة المياه وخور عبد الله الخ من المشاكل الحدودية.

    تجلّى ضعف ثقة الجمهور بالبرلمان، ليس فقط في الخطاب الشعبي والحركات الاحتجاجية، بل أيضاً في تزايد الدعوات حول الجدوى من الانتخابات او المطالبة بإصلاح سياسي شامل. لم يعد المواطنون يرون في ممثليهم صوتًا للشعب، بل نخبةً متميزةً عالقةً في صراعات السلطة.

    ثانياً. العجز التشريعي

    من الناحية التشريعية، كانت الجلسات مخيبة للآمال بنفس القدر. فعلى الرغم من مواجهة أزمات مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، والفساد، والتدخل الخارجي، وتدهور الخدمات العامة، فشل البرلمان في إقرار مجموعة متماسكة من الإصلاحات. وتأجلت أو أُضعفت أو عُلقت تماماً العديد من القوانين المهمة – المتعلقة بالانتخابات، والنفط والغاز، واللامركزية، ومكافحة الفساد، واستقلال القضاء – بسبب المساومات السياسية.

    علاوة على ذلك، أدى سوء استخدام الآليات البرلمانية – بما في ذلك التغيب، والمقاطعة المتعمدة، وغياب الاستجوابات الحقيقة – إلى شلّ الإنتاجية. وحُكم على الأجندة التشريعية بمصالح قصيرة الأجل، بدلًا من استراتيجية وطنية طويلة الأجل.

    ثالثاً. الضغوط الخارجية والتشرذم الداخلي

    كان من العوامل الرئيسية الأخرى التي ساهمت في الفشل تأثير الجهات الخارجية على عملية صنع القرار السياسي الداخلي. فقد زاد التدخل الإقليمي والدولي من تشتت الوحدة البرلمانية واستقطاب النقاش، مما جعل بناء التوافق شبه مستحيل. وفي الوقت نفسه، فاقمت غياب المعارضة المتماسكة، وضعف الانضباط الحزبي، وغياب الاحترافية التشريعية من هذا الخلل.

    رابعاً. ما الذي ينتظرنا؟

    إن فشل الدورة البرلمانية الخامسة ليس مؤسسياً فحسب، بل هو هيكلي ومنهجي. فبدون إصلاح انتخابي، وآليات مساءلة أقوى، وإرادة سياسية حقيقية، تُخاطر البرلمانات المستقبلية بتكرار نفس الحلقة المفرغة. يستحق الشعب برلماناً يتحدث باسمه، ويضع القوانين نيابةً عنه، ويحاسب السلطة التنفيذية نيابةً عنه.

    يكمن الأمل الآن في جيل جديد من القادة ذوي التوجه الإصلاحي، وحركات سياسية تحظى بدعم شعبي، وضغط دولي من أجل الحكم الرشيد. إن استعادة الثقة بالديمقراطية التمثيلية تبدأ بالاعتراف بإخفاقات الماضي، وعدم تكرارها

    اقرأ ايضاً