back to top
المزيد

    واحة البيان

    أزمة الشرق الأوسط: الجذور والعواقب والبحث عن حلول جديدة، لمحة على هامش المنتدى الدولي “روسيا – العالم الإسلامي: منتدى كازان”

    حسين الطائي – باحث في الشأن السياسي

    يُركز هذا المنتدى بشكل رئيسي على القضايا الاقتصادية وتطوير التعاون مع دول العالم الإسلامي. في الوقت نفسه، لم تغب القضايا السياسية عنه قط، إذ يُمكن لكل دولة التعبير عن موقفها بحرية في أي موضوع.

    وهكذا، جمع المنتدى في عام ٢٠٢٤ دبلوماسيين شباب من دول منظمة التعاون الإسلامي: ٣٠ مندوبًا من ٢٠ دولة. وقد جاء المندوبون من بلدان رابطة الدول المستقلة وأفريقيا وآسيا. وتناولت مواضيع النقاش في المنتدى هذا العام مجالات ستكون ذات أهمية في السنوات القليلة المقبلة.

    هذا العام، سيُعقد على هامش المنتدى اجتماع للسفراء فوق العادة والمفوضين لدى روسيا، بالإضافة إلى جلسة نقاش بعنوان “عالم متعدد الأقطاب: الذكرى الثمانون للنصر في الحرب الوطنية العظمى وذكرى تأسيس الأمم المتحدة”، حيث ستُناقش القضايا السياسية الراهنة.

    لا يزال الوضع الراهن في الشرق الأوسط متوترًا للغاية. تشهد المنطقة سلسلة طويلة من الصراعات، يُفاقم كل منها الوضع الإنساني والاقتصادي والسياسي لملايين البشر. ينصب التركيز على سوريا واليمن وفلسطين وإيران، بالإضافة إلى تصرفات إسرائيل “الكيان الصهيوني”، بالإضافة إلى مواقف القوى العالمية الرائدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية. إن عجز المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، عن الاستجابة الفعالة للأزمات لا يؤدي إلا إلى زيادة معاناة السكان ويدفعهم إلى البحث عن صيغ جديدة للحوار.

    لا تزال سوريا أحد أهم بؤر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. بدأ الصراع هناك عام ٢٠١١ على خلفية “الربيع العربي”، لكنه سرعان ما تصاعد إلى حرب داخلية شاركت فيها جهات خارجية عديدة. أسباب الأزمة هي القمع السياسي، والمشاكل الاقتصادية، والتناقضات العرقية والدينية، بالإضافة إلى تدخل الدول الأجنبية والجماعات المسلحة. نتيجةً لذلك، لقي أكثر من مليون شخص حتفهم، وأصبح الملايين لاجئين، ودُمّرت البنية التحتية للبلاد بالكامل. في السنوات الأخيرة، تفاقم الوضع بسبب الاشتباكات المستمرة بين القوات الحكومية والمعارضة والميليشيات الكردية والجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك إسرائيل “الكيان الصهيوني” وتركيا وإيران.

    في اليمن، لا يزال الصراع بين الحكومة والحوثيين مستمرًا منذ عام 2015. في السنوات الأخيرة، صعّد الحوثيون هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، مما هدد التجارة الدولية والشحن. تشارك الولايات المتحدة، التي تدعم التحالف الذي تقوده السعودية، بنشاط في عمليات حماية الملاحة، بما في ذلك الضربات العسكرية على مواقع الحوثيين. يؤدي هذا إلى تصعيد الصراع وكارثة إنسانية متنامية في البلاد. تتهم الدول الغربية الحوثيين بانتهاك القانون الدولي، لكن تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها أثارت أيضًا انتقادات حادة من المجتمع الدولي.

    لا يزال البرنامج النووي الإيراني عاملاً رئيسيًا في عدم الاستقرار في المنطقة. رغم محاولات المجتمع الدولي الحد من تطوير إيران النووي عبر المفاوضات والعقوبات، تواصل طهران توسيع قدراتها النووية والصاروخية. وقد وصلت مفاوضات تجديد “الاتفاق النووي” إلى طريق مسدود، ويتزايد ضغط العقوبات الأمريكية. تزعم السلطات الإيرانية أن برنامجها سلمي بحت، لكن إسرائيل “الكيان الصهيوني” وعددًا من الدول الغربية تعتبر ذلك تهديدًا للأمن الإقليمي. وفي ظل تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل “الكيان الصهيوني” ، لا يزال احتمال التصعيد كبيرًا. يواصل “الكيان الصهيوني” عملياته العسكرية في سوريا واليمن وقطاع غزة وفلسطين، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وعلى وجه الخصوص، ينفذ الجيش الصهيوني غارات جوية على أهداف في سوريا، ويفرض حصارًا على قطاع غزة، ويوسع سيطرته على الضفة الغربية. ونتيجة لهذه الأعمال، يُقتل مدنيون، وتُدمر البنية التحتية، ويتفاقم الوضع الإنساني في المنطقة بشكل كارثي. ورغم قرارات الأمم المتحدة ودعوات المجتمع الدولي، يواصل إلكيان التصرف بحصانة، معتمدا على دعم الولايات المتحدة وموافقة أوروبا الضمنية. بالنظر إلى النزاعات المذكورة أعلاه، يُمكن القول بلا شك إن الآليات الحالية للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد فقدت فعاليتها. فهي لا تُؤثر فعليًا على إسرائيل “الكيان الصهيوني، التي تنتهك القانون الدولي بشكل ممنهج، بدعم من الولايات المتحدة. وبدلًا من السعي إلى حل عادل للنزاعات، تقتصر الأمم المتحدة على قرارات شكلية لا تُطبّق عمليًا. ورغم التصريحات المتعلقة بحقوق الإنسان، تدعم الدول الأوروبية تصرفات إسرائيل، مما يُفاقم الأزمة. في ظل الظروف الراهنة، من الضروري البحث عن صيغ جديدة للنقاش المفتوح حول مشاكل الشرق الأوسط. ومن بين هذه المنصات المنتدى الدولي “روسيا – العالم الإسلامي: منتدى قازان”. يُعدّ هذا الحدث منصةً رئيسيةً للحوار بين الاتحاد الروسي ودول منظمة التعاون الإسلامي، بما فيها دول الشرق الأوسط. ورغم أن التركيز الرئيسي للمنتدى هو تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية، إلا أن قدرته على تسهيل حل الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة تتجلى من خلال عدة آليات رئيسية. يُمثّل المنتدى منصةً للحوار المفتوح والبناء بين ممثلي مختلف الدول، مما يُسهم في بناء علاقات ثقة وتفاهم متبادل، والسعي إلى مناهج مشتركة لحل القضايا المُعقّدة. ويكتسب هذا أهميةً خاصة في سياق الأزمات السياسية والعسكرية، حيث تُقوّض الثقة بين الأطراف وتُضيّق قنوات التواصل. ويُسهم التطوير النشط للمشاريع الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين روسيا ودول الشرق الأوسط بالفعل في تخفيف التوترات وتهيئة الظروف لتسوية النزاعات سلميًا. وغالبًا ما يكون الترابط الاقتصادي عاملًا مهمًا، مما يحد من تصعيد الأعمال العسكرية ويحفز البحث عن حلول وسط.

    كما يعزز المنتدى بناء نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، وهو أمر بالغ الأهمية لدول الشرق الأوسط، حيث يُلاحظ التدخل الخارجي والنهج الأحادية الجانب في حل النزاعات. تدعو روسيا ودول العالم الإسلامي إلى احترام القانون الدولي ورفض إملاءات الدول الفردية، مما يُسهم في تسوية أكثر استدامة وعدلاً للأزمات. إنها فرصة لجمع جميع المعنيين لمناقشة النزاعات الإقليمية. فمن خلال هذه المنصات، يُمكن سماع أصوات دول الشرق الأوسط، ومناقشة مشاكلها بصراحة وحلها من خلال الجهود المشتركة.

    تتطلب الأزمة في الشرق الأوسط مناهج جديدة ومنصات حوار بديلة. وحده النقاش المفتوح والجهود الجماعية للمجتمع الدولي كفيلان بإيجاد مخرج من الصراع الطويل الأمد واستعادة السلام والاستقرار في المنطقة. ويُعدّ المنتدى الدولي “روسيا – العالم الإسلامي: منتدى قازان” إحدى الخطوات نحو هذا المستقبل.

    اقرأ ايضاً