د. نسرين رياض شنشول / العلاقات الاقتصادية الدولية: كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين
د. أنور حامد حمد/ العلاقات الاقتصادية الدولية: كلية العلوم السياسية- جامعة النهرين
التهديدات الرقمية تمثّل أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول في العصر الحديث، إذ أصبحت الأنظمة الإلكترونية مكوّناً أساسياً من مكوّنات البنية التحتية الاقتصادية. وفي العراق، يكتسب الاقتصاد الرقمي أهمية متزايدة في دعم وتطوّر مختلف القطاعات، مثل الصناعة والخدمات والتجارة. ومع ذلك، تواجه البلاد تهديدات متصاعدة من الهجمات السيبرانية التي تستهدف المعلومات المحمية، سواء كانت بيانات أفراد أو بيانات تعود إلى مؤسسات أو مجموعات أخرى، وتشمل بيانات حسّاسة، من بينها معلومات الأنظمة المالية والبيانات المتعلقة بالموجودات والعمليات اليومية للشركات والمؤسسات، ما يهدد بشكل مباشر استقرار الاقتصاد الوطني.
إن الأمن السيبراني يُمثّل مجموعة من الإجراءات والأنظمة المتكاملة التي تهدف إلى حماية الأنظمة المعلوماتية من الهجمات الإلكترونية. وفي ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العراق، أصبحت البنية التحتية الرقمية أكثر عرضة للتهديدات التي قد تُلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الوطني. ولا يقتصر الأمن السيبراني على حماية البيانات الشخصية فحسب، بل يشمل أيضاً حماية الأنظمة الاقتصادية الحيوية، مثل البنوك، والمؤسسات المالية، وشبكات الطاقة. وقد شهد العراق منذ عام 2003 تحولاً رقمياً متنامياً، جعله أكثر اندماجاً في الاقتصاد الرقمي العالمي، وبالتالي أكثر عرضة للهجمات السيبرانية. ومع ذلك، لا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة في بناء بنية تحتية رقمية متينة، وسنّ تشريعات حديثة، وتطوير كوادر متخصصة في مجال الأمن السيبراني، وهو ما جعل العراق من بين الدول الأكثر عرضة لهذه الهجمات، نتيجة الانفتاح المتزايد على العالم والتطور في المجالات التقنية والمعلوماتية.
تُعد الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في العراق إطاراً يُراد من خلاله توفير تدابير متماسكة وإجراءات فعّالة لضمان أمن وحماية المعلومات في الفضاء السيبراني. وتركّز هذه الاستراتيجية على حماية البنية التحتية الحيوية للمعلومات، إلى جانب بناء ورعاية مجتمع إنترنت يتمتع بالموثوقية والأمان.
تتسم البيئة العامة للأمن السيبراني في العراق بالضعف النسبي، إذ لا يزال يُصنَّف ضمن الدول الناشئة في مجال استخدام التقنيات الخاصة بمواجهة الجريمة السيبرانية. وتُعد هذه الجرائم خارج نطاق الأولويات المجتمعية في العراق، رغم التحذيرات الرسمية. فقد كشفت وزارة التخطيط أن النسبة الأكبر من الجرائم السيبرانية تُنفذ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتشمل جرائم خطيرة مثل الاختطاف، والتهديد، وترويج المخدرات، والاحتيال، وسرقة المعلومات الشخصية، وغيرها من الانتهاكات التي تُهدد أمن الأفراد والمجتمع.
بدأ تسجيل الإحصائيات الرسمية المتعلقة بالجريمة السيبرانية في العراق منذ عام 2006، وذلك نتيجة للانتشار السريع للإنترنت وتزامناً مع ظهور الجرائم السيبرانية بشكل واسع، مثل غسل الأموال، والقرصنة، والإرهاب الإلكتروني. وعند الرجوع إلى سجلات مكتب التحقيقات الجنائية العراقية، نلاحظ أن معدل الجرائم السيبرانية قد ارتفع بنسبة 2.2% خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2011.
بهدف تطوير استراتيجية فعالة للأمن السيبراني في العراق، انعقد في العاصمة بغداد عام 2019 “مؤتمر العراق الإلكتروني والأمن السيبراني”، بالتعاون مع المجلس الدولي للاستشارة الإلكترونية (EC-Council) التابع للمفوضية الأوروبية، وهو مجلس يُعنى بمتابعة قضايا الأمن السيبراني على المستوى العالمي.
وقد هدف المؤتمر إلى تحديث وابتكار العمليات الاستراتيجية والتكتيكية في مجال الأمن السيبراني للحكومة العراقية، ومناقشة مستقبل الحكومة الإلكترونية، والتهديدات السيبرانية المحتملة التي قد يتعرض لها العراق، وسبل التصدي لها. كما ركّز المؤتمر على تعزيز الوعي العام للحد من الجريمة السيبرانية، وحماية البيانات، وآليات التعامل مع الحوادث السيبرانية، واستعادة القدرة على العمل بعد التعرض للهجمات. وشهد المؤتمر تأكيداً على دور مجلس (EC-Council) في تقديم الدعم الفني والاستشاري للعراق، ويأتي هذا الحدث في إطار خطط الحكومة العراقية للاستثمار في التحول الرقمي وتعزيز قدرات الأمن السيبراني الوطنية. بالنسبة لعام ۲۰۲۱، نلاحظ ان العراق تراجع في المؤشر العالمي للأمن السيبراني Global Cybersecurity Index الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات اذ حصل على المرتبة 159 عالميا في مؤشر الامن السيبراني من أصل 182 دولة بينما كان في المركز 107 في التقرير السابق، مما يدل على التحديات التي تواجه الهياكل التنظيمية للأمن السيبراني العراقي.




