د. وجدان فالح حسن/ كلية العلوم السياسية – جامعة ميسان
تعد آلية العقوبات الاقتصادية من بين أكثر الآليات فعالية في وقتنا الراهن، وذلك لارتباطها الوثيق بالوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي لأي دولة، كذلك تأثيرها المباشر والفاعل في حياة المواطنين وتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم الأساسية سواء المعيشية أم غير المعيشية على حد سواء.
وتعد الولايات المتحدة الأميركية من أكثر وأهم الدول التي اعتمدت هذه الآلية، ولا تزال تعتمدها إلى اليوم لضبط وتقويم أفعال وتصرفات الدول بما يتلاءم مع تطلعاتها ومخططاتها، وأي دولة تخرج خارج ما رسمته لها الولايات المتحدة، سواء كانت صديقة أو حليفة أو عدوّه، فإنها لا تتوانى عن التلويح باستخدام أو الاستخدام الفعلي لهذه الوسيلة الفاعلة والمؤثرة بشكل كبير ضدها، فضلاً عن فرض إملاءات عليها بالشكل الذي يضمن عدم قيامها بأي فعل أو تصرف من الممكن أن يضر بقرارات أو مصالح الولايات المتحدة الأميركية أينما كانت على الرقعة العالمية، ويرجع ذلك إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها فهي صاحبة العملة القائدة الأولى عالمياً، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الراهن والمستقبل القريب على أقل تقدير، فضلاً عن اقتصادها الأكبر الذي يشكل ما نسبته 25.4% من الاقتصاد العالمي، وهذا يخولها أن تمارس هيمنتها وقوتها في ظل هيمنتها السياسية والعسكرية إلى جانب الآلة الاقتصادية.
إن أهم الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة كنوع من أنواع العقوبات هو تقييد الوصول إلى الدولار الأميركي والاستبعاد من نظام السويفت العالمي (SWIFT) كما فعلت مع روسيا بعد أزمة أوكرانيا لعام 2022، وهذا يؤدي إلى انهيار العملية المحلية؛ بسبب انخفاض قيمتها الحقيقة وتدني قيمتها إزاء الدولار، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم كنتيجة حتمية لهذا الانهيار، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية والكمالية بشكل مهول؛ بسبب انخفاض قيمة العملة، مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية خانقة كما هو الحال في الحالة الإيرانية. إن هذه الوسيلة من أهم الوسائل التي تعتمدها الولايات المتحدة في الضغط على الدول إلى جانب تجميد أرصدة الدولة المستهدفة، مما يجعلها تعاني بشكل كبير إزاء هذه الضغوط.
وعند الحديث عن الحالة العراقية، فالولايات المتحدة الأمريكية تضغط على السلطات النقدية والمالية العراقية لضمان نجاح سياساتها في المنطقة، وخصوصاً (سياسة الضغط الأقصى) إزاء إيران وسوريا ومنع وصول العملة إلى هاتين الدولتين بما يمكنها من الالتفاف على العقوبات الأميركية الموجهة ضدها، وبسبب ارتباط الوضع العراقي بهاتين الدولتين إلى جانب تركيا، فإن الولايات المتحدة تضغط بشكل كبير إلى درجة فرض العقوبات على بعض المصارف والشركات العراقية لضمان عدم وصول الدولار من العراق إلى هذه الدول وعدم استغلال الوضع العراقي الراهن للقيام بالنشاطات التجارية التي تساعد الدول المستهدفة للخروج من ضائقتها على حساب العراق، لذا بدأت مجموعة من الإجراءات (نستعرضها لاحقاً) لضمان نجاح سياساتها، لكن هذه الإجراءات سببت أزمة كبيرة للعراق أدت إلى انخفاض قيمة عملته (الدينار العراقي) الذي انعكس بدوره على الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين وغيرها من الآثار وهو ما ينبئ بكارثة اقتصادية إن لم تقم السلطات النقدية العراقية (البنك المركزي) بتعديل وضعها وعدم فسح المجال أمام الولايات المتحدة لفرض عقوبات أكثر وأكبر من الوضع الراهن من الممكن أن تؤدي إلى أزمة كبرى.

لقراءة المزيد اضغط هنا