د. حسن سعد عبد الحميد – معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية
 
المقدمة
التميمي، المالكي، الحلبوسي، البياتي، الزبيدي، السامرائي، وغيرها الكثير من المسميات العشائرية الكريمة التي يفخر بها، ويزدهر بها المجتمع العراقي، إذ لا يستطيع أحد أن يلغي دور ووجود مكانة العشيرة في العراق، نظراً لأن وجود القبائل والعشائر والقوميات والمذاهب المتنوعة هو أمر بديهي في المجتمعات المتنوعة كمجتمعنا، لكن الإشكال يرد في توظيف العشيرة لغايات سياسية ومطامع حزبية، والسعي لخلط ومزج البُعد المجتمعي للعشيرة بالبُعد السياسي للدولة ومؤسساتها لزوماً.
صحيح أن العراق مجتمع عشائري في الأساس يحكمهُ العرف والعائدات والتقاليد العشائرية في الكثير من المفاصل، وتسهم العشائر بدور كبير في استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في الكثير من المشكلات التي تجد طريقها للحل بعيداً عن القانون العام ومراكز الشرطة وأروقة المحاكم. فالعشائر لديها ميل قوي نحو وجود دولة قوية ترفع العبء عنها في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية.
إلاَ أن الإسباغ الدائم للوصف العشائري على السلوك والفعل والمركز السياسي قد يكون وسيلة للتغطية على فشل الحزب أو المؤسسة الرسمية في حل المشكلات الاجتماعية التي وجدت لها طريقاً للحل في المحاكم العشائرية إن جاز لنا توصيفها هكذا.
إن حديثنا في هذه الورقة عن مشكلة التوصيفات العشائرية لا تندرج ضمن إطار الإساءة للعشيرة بقدر ما يهدف إلى حمايتها من لوثة السياسة وعيوب ممارسيها واحترام خصوصيتها في المجتمع.

المشكلة الأولى:

سبق أن تحدث (أبن خلدون) عن الربط بين (العصبية والدولة) في أكثر من مناسبة وموضع، وبين أن استقرار أركان الدولة قد يدفع الأخيرة على الاستغناء عن العصبية والعكس صحيح، فالدولة ذات القواعد الهشة قد تميل لتقوية سلطة العشائر التي قد تنعكس على ذهنية وسلوك المواطن تجاهها.

لو رجعنا للتأريخ قليلاً لكن ليس لحقبة الاحتلال البريطاني للعراق ومروراً بالثمانينيات والتسعينيات رغم أهميتها للموضوع، بل لحقبة ما بعد (2003م) ودخول القوات الأمريكية والقوى المتحالفة معها واحتلال العراق، التي وضعت أُولى بذرات التحاصص السياسي ونشر المذهبية الطائفية المقيتة على صعيد التجربة السياسية ووصولاً للمسارات الاجتماعية، التي أسهمت فيما بعد بالتقسيم الذهني والواقعي للعشائر على أسس مذهبية وطائفية رغم تخالط الأنساب والمذاهب في كل العشائر العراقية شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.

ومع استمرار النسق السياسي على هذا المنوال، برزت صور الاستغلال السياسي للصفات والألقاب العشائرية لأغراض سياسية حزبية، بهدف التقوقع العمدي ولأهداف متنوعة حول الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، لا سيما عند أوقات الشدائد والمحن والاضطرابات، وإعطاء الهوية العشائرية العلوية دوراً في المجالات الأمنية والإدارية والوظيفية. وهذا التقوقع نجدهُ في التعريف العشائري المباشر للشخص (العادي والمسؤول) في الكثير من المناسبات والشواهد، ومنها: (المنصب، المنجزات، السلوك، المؤسسة وغيرها). حتى رُسخ في ذهن المواطن والإعلام المسميات العشائرية للسلطات بدلاً عن التعريف بالاسم المباشر الفردي أو الثلاثي، فأصبحنا نُعرف السلطة التنفيذية مثلاً بالاسم العشائري أو الألقاب لرئيسها (الجعفري، المالكي، الكاظمي وغيره)، وكذلك الحال لرئاسة الجمهورية (الطالباني مثلاً)، فضلاً عن السلطة التشريعية (الجبوري، الحلبوسي، المشهداني) وتبويب أي استهداف لتلك الشخصيات وتحويله للعشيرة والمذهب، وبالتالي انبثاق عشيرة المسؤول للدفاع عنه، وقد شهد العراق حالات كثيرة بهذا الصدد.

لقراءة المزيد اضغط هنا