د. عدنان صبيح ثامر- باحث متخصص في أنثروبولوجيا الخطاب
لم تكن النتائج التي ظهرت في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة توحي بحدوث مفاجآت كبرى، فإنَّ المراقبين توقعوا سيطرة الأحزاب التقليديّة على غالبيّة أصواتها فضلًا عن تراجع مقاعد الأحزاب الناشئة والصغيرة ارتباطاً بقانون (سانت ليغو) الذي يتيح فرصاً أكبر للذين يملكون وجوداً أكبر، مقارنة بنسبة المقاطعة التي ما زالت في تزايد مستمر على الرغم من بعض المحاولات لإعادة الثقة بين الجماهير، وتلك الآلية الديمقراطية.
غير أنّ السؤال الذي نريد الإجابة عنه هو ما مدى توسع القواعد غير التقليديّة التي أنتجت بعد تشرين (2019)، وقد مثلت رغبة كبيرة للتغير، أو على الأقل لأثبات القدرة على التغيير إذا أرادت الجماهير المعترضة أن تملك القدرة على التنظيم لتفرز قواعد جديدة للحكم عن طريق الانتخابات، وتلك سمة الديمقراطية، أم أن هناك خيبة للأصوات التي اعتقدت بأن وجوه التقدم والصعود ستكون على شكل مراحل؟
سنحاول الإجابة على تلك الأسئلة عن طريق المقارنة في الأصوات والمقاعد للمستقلين والأحزاب الناشئة بين انتخابات البرلمان 2021، وانتخابات مجالس المحافظات 2023، فعلى الرغم من الفروقات من ناحية قانون الانتخابات الذي كان قائماً على أساس فردي (عدد الأصوات للمرشح) وسانت ليغو 1,7 القائم على أساس أصوات (التحالف أو الكتلة المرشحة).
فضلاً عن عدد من التغيرات التي رافقت الانتخابات، فقرب الأول من احتجاجات تشرين قلل من حظوظ التقليدين وأعلى من كفة الأحزاب الجديدة والمستقلين، زيادة على أداء بعض النواب الجدد المحسوبين على التغيير قد أحبط المتأملين بذلك التغيير، وفوق ذلك كلّه عودة مجالس المحافظات التي تعطلت بعد احتجاجات تشرين، فالترشيح مثّل للناخبين تراجعاً عن المبادئ التي خرجوا من أجلها أول مرة، فكل تلك الأسباب توحي بنتيجة تراجع أصوات الأحزاب الجديدة والمستقلين، إلا أن حصول بعض الأحزاب الناشئة على أصوات توازي ما حصلوا عليها في انتخابات برلمان (2021)، يجعلنا نعيد التفكير مرة أخرى بإمكانية مزاحمتهم للأحزاب التقليدية وطرحهم كبديل معوّل عليه بالتغيير.
هناك عدد من المعايير التي سنسير عليها للتميز بين الأحزاب الناشئة أو المستقلين، والمقصود هنا هي الأحزاب التي تشكلت بعد احتجاج تشرين التي تملك خطاباً مغايراً لخطاب الأحزاب التقليدية. فإنّ هذين المعيارين سيبعدان الأحزاب التي تشكلت بعد تشرين لكنها ما زالت تملك خطاب الأحزاب التقليدية، أما لفظة «مستقلين» فهي تطلق على الشخصيّات التي تمتهن العمل السياسي، وتقرر الترشيح للانتخابات من غير الارتباط بأي من الأحزاب إلا أنه أصبح عرفاً عراقياً تطلق عبارة المستقلين على الأحزاب الناشئة، بل وبعضها أخذ يعزز تلك الرؤية، خشية من أن تلحقه النقمة الشعبية على الأحزاب كون هناك تصوراً خاطئاً ربط بين الحزبية واضطراب النظام السياسيّ في العراق.
على أن المتغير الجديد برز في انتخابات مجالس المحافظات هو بروز القوائم المحلية كمنافس للأحزاب الكبيرة، واستطاع أن يحقق ما تراجعت به الأحزاب الناشئة، فأخذ إمكانية وجود البديل إلّا أنه لا يمكن اعتبار تلك القوائم كبديل حقيقي كونها تمتلك خطاباً يجعلها قريبة من الخطاب التقليدي لأحزاب السلطة لا سيما أن زعماءها هم محافظين انشقوا عن الأحزاب التقليدية للسلطة، أمثال محافظي البصرة وكربلاء وواسط وديالى ونينوى.

لقراءة المزيد اضغط هنا