مقدمة
أن أبسط مفهوم للسياسة يتلقاه طالب المرحلة الأولى ضمن تخصص العلوم السياسية هو أن السياسة باختصار تعني «فن الممكن». ولما كان الفن يعني عدداً من الفعاليات البشرية التي يتم التعبير عنها بصرياً أو سمعياً أو حركياً من أجل إيصال الأفكار، فإن فن الممكن في السياسة يعني الأنشطة البشرية التي تؤدي إلى ظهور أفعال بصرية أو سمعية أو حركية للتعبير عما يدور في خواطر الإنسان تجاه المواقف والتطورات السياسية التي تشهدها دولته وفقاً للإمكانيات المتوفرة. وهذا ما مهدت له انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة التي أفرزت فائزين يمتلكون فرصة قول كلمة السبق في مرحلة ما بعد الانتخابات، وكذلك خاسرين لم يحالفهم الحظ في الفوز، غير أن ذلك لا يعني أنهم أصبحوا خارج المعادلة السياسية التي يمتلك القدم الأولى فيها من يتقن التعامل مع فن الممكن.
أولاً: المشهد السياسي بعد الانتخابات
أفرزت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 18 ديسمبر/كانون الأول2023 واقعاً سياسياً جديداً ستلعب لغة الأرقام دوراً مهماً فيه كون المقاعد تمثل معياراً مهماً لتحديد الأطراف التي ستشكل الحكومات المحلية، لكن تبقى التفاهمات السياسية حول الإدارات الجديدة في المحافظات هي الأهم لأن النظام الديمقراطي في العراق لا يتجزأ، وما يجري العمل به في المركز بعد كل انتخابات سيكون حاضراً بقوة عند الحديث عن أسماء المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات الجدد.
وعند النظر إلى النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن تحليل المشهد الحالي بعد الانتخابات يتطلب التوقف عن الرباعية الآتية:
1-تفوق متوقع
لم يكن حصول تحالف نبني على أكبر عدد من المقاعد في المحافظات مستبعداً، لأسباب عديدة أبرزها وجود قوى سياسية مهمة ومؤثرة في التحالف، فضلاً عن امتلاك مكوناته لجمهور ثابت، بالإضافة إلى قدرته على الانتشار أفقياً في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وكذلك الحال مع ائتلاف دولة القانون الذي يجيد التعامل مع قوانين الانتخاب، واعتاد الوجود في موقع متقدم ضمن ترتيب أعلى الفائزين سواء كان في الانتخابات النيابية أو المحلية، وكذلك الحال مع تحالفي قوى الدولة وتقدم اللذين حصل كل منهما على مقاعد تتناسب مع جماهير التحالفين.
2-تصدر المحافظين
إن تصدر محافظي البصرة وواسط وكربلاء نتائج الانتخابات في محافظاتهم بعد حصولهم منفردين على نحو 250 ألف صوت يشير بوضوح إلى بروز ظاهرة المحافظين الذين فرضوا أنفسهم أرقاماً صعبة في محافظاتهم، مما صعب المهمة على الأطراف السياسية الأخرى المطالبة بأن تضع بالحسبان النتائج إلى حصل عليها بعض المحافظين، التي أظهرت واقعاً سياسياً جديداً في بعض المحافظات قد لا يؤثر كثيراً في المعادلة إلا أنه فرض فاعلين ومؤثرين جدد.
3-تنافس محموم
التنافس لم يقتصر على المحافظات التي تصدرت فيها قوائم المحافظين، بل أن المحافظات الأخرى التي حصل فيها بعض التحالفات على نتائج متقاربة دون أن تكون هناك أغلبية مريحة لأحد ستشهد هي الأخرى تنافساً محموماً لانتخاب المحافظين ورؤساء المجالس، ومن المتوقع أن يتطلب تشكيل الحكومات المحلية في هذه المحافظات وقتاً أطول، لأن بعضها سيبقى بانتظار تدخل سياسي للتوصل إلى تفاهمات سياسية بشأن المناصب المهمة من أجل ضمان تحقق أغلبية تمرير المحافظين ورؤساء المجالس.

لقراءة المزيد اضغط هنا