مقدمة:
تنشغل الأوساط السياسية العراقية هذه الأيام بالتحضير لانتخابات مجالس المحافظات المقررة أن تُجرى في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول 2023، أو متابعة إجراءاتها. يأتي ذلك لأنها الانتخابات الأولى التي تجري بعد عقد من القطيعة مع الانتخابات المحلية، كما أنها ستعيد الحياة لمجالس المحافظات التي تم تجميدها في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تُعتبر استحقاقاً دستورياً حتمياً لا يمكن لأي جهة تعطيله. ومع ذلك، فإن الحديث عن الانتخابات لن يستمر أكثر من عدة أسابيع تمتد حتى المصادقة على النتائج. بعد ذلك، ستبدأ الأحداث الأهم التي ستشكل اختباراً للقوى الفائزة، حيث ستُطالب بالتكيف مع المعادلات السياسية الجديدة التي ستفرزها نتائج الانتخابات في المحافظات. وستصل الأمور إلى حالة التراضي، مما يؤدي إلى تشكيل سريع للحكومات المحلية من خلال تفاهمات حقيقية مبنية على أساس ترتيب الأولويات المحدد مسبقاً.
اولاً: اللامركزية ومجالس المحافظات
لا يمكن فصل الحديث حول مجالس المحافظات عن اللامركزية بأنواعها، لأن هذه المجالس تُعتبر إحدى أهم أدوات تفعيل النظام اللامركزي. بل، إن فكرة مجالس المحافظات نشأت من مفهوم اللامركزية الإدارية في الأقاليم والمحافظات الذي ظهر في الدولة الحديثة. حيث قررت الدولة المزج بين المركزية واللامركزية من الناحية الإدارية بنسب متفاوتة، وتختلف وفقاً للظروف الجغرافية، وطبيعة العلاقة بين المركز والأقاليم أو المحافظات، وبقية الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تعني اللامركزية توزيع السلطات بين جهات متعددة، بحيث لا تصبح متركزة في يد الحكومة وحدها، بل تشاركها هيئات أخرى إقليمية أو مرفقية أو سياسية تعمل في مساحة محددة من الدولة، خاضعة للحكم المحلي. تتخذ اللامركزية الإدارية اشكالاً ثلاثة هي:
1-اللامركزية الإقليمية: تعني تقسيم الدول إلى أقاليم إدارية، حيث يتم توزيع السلطات الإدارية على هذه الأقاليم، ليكون لدى المجالس المحلية في الأقاليم أو المحافظات سلطة البت في مسائل هامة دون الحاجة إلى الرجوع إلى السلطات الاتحادية.
2- اللامركزية المرفقية: يقصد بها منح المحافظات صلاحيات تتعلق بالمرافق التابعة لوزارات الدولة مثل النقل أو الاتصالات، إذ يتم تخويل شركات أو اشخاص للتنسيق مع المجالس المحلية لإدارة هذه المرافق دون العودة إلى السلطات المركزية.
3- اللامركزية السياسية: تقوم على أساس توزيع السلطات السياسية، مثل سلطات التشريع والقضاء والإدارة، بين الدولة المركزية من جهة، والأقاليم أو المحافظات من جهة أخرى، وهذا الأمر لا بد أن يكون مرتبطاً بالتنظيم الدستوري للدولة، لا يمكن تطبيق اللامركزية السياسية إلا في الدول الاتحادية التي تتمتع فيها الولايات والمحافظات بحق انتخاب مجلس محلي يختار سلطة محلية. ومع ذلك، لا يمكن للأقاليم والمحافظات التي تتمتع باللامركزية السياسية التصرف في المسائل السيادية للدولة، مثل السياسة الخارجية، والقوات المسلحة، والسياسة المالية للدولة.
وفيما يتعلق بالتجربة العراقية، تعمل مجالس المحافظات ضمن اللامركزية الإدارية بنوعيها الإقليمي، والمرفقي، أما اللامركزية السياسية فتنطبق على الصلاحيات الممنوحة لإقليم كردستان.

لقراءة المزيد اضغط هنا