المقدمة:
اتسمت العلاقات السعودية الإيرانية بالاحتقان الشديد؛ بسبب الخلافات السياسية والمذهبية على مرّ التاريخ، حتى أنه في العقود الثلاثة الماضية، قُطعت مرتين. فقد قُطعت العلاقات الدبلوماسية لأول مرة عام 1987، بعد حادثة مكة المكرمة، للمرة الثانية عام 2016، بعد مهاجمة الأماكن الدبلوماسية السعودية في إيران. فمنذ 2016 شهدت العلاقة السياسية بين الرياض وطهران انقطاعاً تاماً؛ بسبب الخلافات الشديدة بين الدولتين، والمتعلقة بتباين المقومات السياسية والفكرية وتنازع النفوذ السياسي والاقتصادي، الأمر الذي انعكس على العلاقات السياسية بين البلدين. وكان من آثار ذلك إحراق المحتجين الإيرانيين سفارة الرياض في طهران وقنصليتها في مشهد، على أثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي «نمر النمر» في العام 2016، مما أدى إلى سحب الرياض بعثتها الدبلوماسية من طهران، وقطع العلاقة بإيران.
لكن بعد هذه الفترة من القطيعة السياسية والحرب بالوكالة، بدأت المفاوضات بين الرياض وطهران في نيسان/ أبريل / 2021، برعاية عراقية ولقاء غير معلن بين وفدي البلدين في المنطقة الخضراء ببغداد. استضافت بغداد من نيسان/ أبريل 2021 إلی نيسان/ أبريل 2022، خمس جولات من المحادثات بين مسؤولي طهران والرياض. وقد اتفقت السعودية وإيران على إنهاء حالة القطيعة الدبلوماسية بينهما والتي دامت سبع سنوات، بعد وساطات وجولات محادثات سرية وعلنية احتضنها العراق وعُمان، الأمر الذي أوصل الجانبين في 10 آذار/مارس 2023 إلى اتفاقية تهيئ الأرضية السياسية لعودة العلاقات طبيعية بين الرياض وطهران، وإعلان الاتفاق وبنوده في الصين التي دخلت كداعمٍ وضامن لما عُرف بالاتفاقية السعودية الإيرانية.
أنهى الاتفاق سبع سنوات من القطيعة، حيث أعادت إيران فتح سفارتها في الرياض، في بداية حزيران/ يونيو 2023، وفي منتصف يونيو وصل فیصل بن فرحان إلى إيران في زيارة هي الأولى لوزير خارجية سعودي منذ أكثر من عقد، واتفق مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على عودة عمل سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد، في المستقبل القريب. يفتح هذا التطور باب التساؤلات عن أسباب المصالحة الإيرانية السعودية وانعكاساتها على القضايا الإقليمية، لا سيَّما أوضاع الساحات التي تشهد طيلة عقود تنافساً حاداً وحروباً بالوكالة بين الطرفين.
وفي هذا الإطار تسعى هذه الورقة البحثية للإجابة على سؤالين أساسيين: ما أسباب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية ودوافعها؟ وما هي انعكاسات وتداعيات تطبيع العلاقات بين طهران والرياض على الشرق الأوسط؟ للإجابة على هذين السؤالين، تم تقسيم هيكل البحث إلى ثلاثة أجزاء. فبعد تحليل أسباب وجذور التوتر في العلاقات بين إيران والسعودية، سيتم الإشارة إلى دوافع طهران والرياض لاستئناف العلاقات، وفي النهاية سيتم دراسة تداعيات تطبيع العلاقات بین أهم دولتين وقوتين اقليميتين على منطقة الشرق الأوسط.
جذور الخلافات الإيرانية السعودية
شهدت العلاقات الإيرانية السعودية العديد من التقلُّبات منذ انتصار الثورة عام 1979، وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، ومن ثَمَّ، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فتراتٍ من التعاون والتنافس والصراع وفقاً للأحداث الداخلية والإقليمية والدولیة التي تحدِّد نوع العلاقة بين هاتين الدولتين. تعود جذور الخلافات السعودية الإيرانية إلى عام 1979، حين أعلنت الرياض دعمها نظام الشاه محمد رضا بهلوي في مواجهة موجة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت ضده أواخر عام 1977، والتي انتهت بإطاحة نظامه في عام 1979 . وفي أواخر فترة حكم محمد رضا بهلوي كانت العلاقات الإيرانية السعودية في أفضل حال، ففي كانون الثاني/يناير 1978 قام شاه إيران بزيارة تاريخية إلى السعودية، واستُقبِل بحفاوة مِن قبل العاهل السعودي آنذاك الملك فيصل.

لقراءة المزيد اضغط هنا