مقدمة:
ذهبت بعض الدول باتجاه التصويت البريدي لزيادة المشاركة الانتخابية، وتجاوز العقبات التي تظهر في يوم الاقتراع، ومن بين تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية التي تُصنف ضمن الديمقراطيات الراسخة، وكذلك دول أخرى كسويسرا وكندا وإستونيا وغيرها من الدول التي تعتقد أن اتباع هذا النوع من التصويت يمكن أن يساهم في زيادة إقبال الناخبين في يوم الاقتراع، وبالتالي، تحقيق نسبة مشاركة مقبولة. كما توجد أسباب أخرى لاتباع أسلوب التصويت بالبريد مثل فسح المجال أمام ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن للتصويت عن طريق إرسال ورقة الاقتراع عن طريق البريد لتتم إعادتها إلى صندوق الاقتراع بعد التصويت عليها.
وما دامت التجربة الانتخابية الديمقراطية بالعراق في طور النشوء، فإن الاطلاع على تجارب الآخرين يعد أمراً ضرورياً للاستفادة مما يمكن تطبيقه عراقياً، ولما كان التصويت البريدي قد طبق في ديمقراطيتين مهمتين تصنف الأولى على أنها نموذج النظام الرئاسي وهي الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك سويسرا التي تطبق نظام الجمعية الذي ما زال حتى اليوم يدرس في عدد كبير من الدول بينها العراق على أنه أحد أنواع الأنظمة التي تأتي عن طريق الانتخابات، فأن الاطلاع على التجربتين والمحاولات الأخرى للتصويت عبر البريد لن يكون ضاراً، بل قد يكون نافعاً في حال توفرت مقومات تطبيقه في العراق الذي يعاني من تراجع ملحوظ في نسبة المشاركة بالانتخابات.
أولاً: الانتخاب والتصويت البريدي
بدأت الدراسات الانتخابية تحتل مكاناً مهماً من الناحيتين السياسية والدستورية مع بداية القرن العشرين بعد أن تبين ما لهذه الدراسات من تأثير واسع وعميق على المؤسسة الديمقراطية بكافة أشكالها وآلياتها، كونها الوسيلة التي تمكن الشعب من اختيار نواب عنه بشكل دوري، يتصرفون باسمه ويديرون شؤونه ويمارسون سلطاته على صور متعددة من صور الممارسة. وبالتالي، فإن الانتخابات تمثل حق الاختيار على نحوٍ تتسابق فيه الأحزاب المؤهلة لتلك الممارسة، ويشمل الانتخاب، انتخابات رئيس الدولة، والانتخابات التشريعية، والاستفتاء.
والمعروف عن الانتخاب أنه يمكن أن يكون مباشراً أو غير مباشر، فردي أو بالقائمة، انتخاب بالأغلبية أو بالتمثيل النسبي أو بالنظام المختلط في ظل وجود عدد كبير من الأنظمة والقوانين الانتخابية المتنوعة التي يجري تصنيفها استناداً إلى كيفية عمل كل منها على ترجمة الأصوات التي تفوز بها كل فئة مشاركة في الانتخابات إلى مقاعد من الهيئة التشريعية، إذ لا يمكن للانتخابات أن تجري في أية دولة قبل أن تحصل على الإطار الدستوري والقانوني، فالدستور يجب أن يكون داعماً في نصوصه للانتخابات الديمقراطية الحرة النزيهة، ويتيح أيضاً المساحة لتشريع قوانين تنظيم العملية الانتخابية، كل ذلك يجري ضمن تفاعلات النظم الانتخابية المتعددة.
ولما كانت الدساتير وخصوصاً في الدول المتقدمة ديمقراطياً قد منحت حق الانتخاب إلى جميع الأفراد دون تمييز، ذهبت بعض الدول باتجاه ابتكار أساليب تتيح للفئات التي تعجز عن الوصول إلى مراكز الاقتراع فرصة التصويت في الانتخابات وذلك عن طريق التصويت البريدي الذي أتاح إرسال ورقة الاقتراع إلى هذه الفئات ليقوم الناخبون بالتأشير عليها وفقاً لتعليمات محددة قبل إعادة إرسالها مجدداً.
وتختلف تسمية التصويت عبر البريد من دولة إلى أخرى، إذ يطلق عليه أحياناً التصويت عن بعد، وأحياناً أخرى يسمى التصويت الغيابي.
وأظهرت دراسات متخصصة أن التصويت البريدي يؤدي إلى زيادة واضحة في نسبة التصويت بالانتخابات، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود محاولات لاختراق هذا النوع من التصويت، ومن خلال التجربة، فإن حالات التزوير التي رافقت التصويت عبر البريد كانت على نطاق محدود.

لقراءة المزيد اضغط هنا