د. محمد عبد صالح – جامعة النهرين/كلية اقتصاديات الأعمال
تمهيد:
تستلزمُ مسيرة التنمية والنمو الاقتصادي، تظافر الإجراءات التي تتضمنها السياسيات الاقتصادية، من أجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية للقضاء على البطالة، من خلال التوافق بينَ متطلبات الاقتصاد الوطني من القوى العاملة، والمتوفر منها في ظلّ نمط محدد للنشاطات الاقتصادية؛ لتحقيق معدلات النمو المطلوبة على صعيد الاقتصاد الوطني، وهذا يتطلب توافر عناصر مُتعددة، تتدخل في تحديد جانبي العرض و الطلب من قوة العمل، وعلى وفق تفصيلات تحددها عملية النمو الاقتصادي، والتي تعكس بدورها قدرة تلك السياسات للقضاء على ظاهرة البطالة، وهذا ما جاء في مضمون البرنامج الوزاري الذي حُدِدَ في مِنهاجه الكثير من الإجراءات، التي من شأنها أن تساهم في تقليل نسب البطالة وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل.
أولاً: الواقع الحالي:
يُشكل موضوع “البطالة” وإسلوب معالجتها أهمية أساسية في تنمية و إعمار العراق؛ بسبب العلاقة المتبادلة بين الإسلوب التنموي والاستراتيجية العامة للتطور الاقتصادي والاجتماعي، المُتمثل بتنمية الموارد البشرية بما في ذلك تهيئة الوسائل الكفيلة لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكن، وغيرها من المهام التي تهدف إلى تنمية وتطوير قابليات الافراد، حيث أنّ زيادة السكان وارتفاع معدلات نموه تشكل عبئاً اقتصادياً على كاهل الاقتصاد الوطني، ولا سيَّما في البلدان النامية التي تعاني من تدني في معدلات نمو أنشطتها الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالعراق، وبالرغم من امتلاكه موارد طبيعية وزراعية واقتصادية يقابلها نمو في السكان، لكنّ هنالك قصور في إمكانية استغلال هذه الموارد بالشكل الذي يعمل على الاستخدام الأمثل لقوة العمل، حيث نُلاحظ تفاقم ظاهرة البطالة في الاقتصاد العراقي؛ نتيجة الزيادة الحاصلة في الإنفاق على العمليات الحربية والتسليح خلال الفترات السابقة، الأمر الذي يتطلب رسم سياسة تنموية تضمن تشغيل الأيدي العاملة لسدّ احتياجات التنمية بما يتلاءم مع الموارد والقدرات المتوفرة؛ لمعالجة عدم التوازن التي أفرزتها ظاهرة البطالة بكافة أشكالها وما تمثله من ظواهر سلبية تنعكس على عملية النمو، ممّا يتطلب إعادة النظر في هيكل الموارد البشرية لضمان الاستخدام الأمثل للأيدي العاملة، وتلبية الاحتياجات من المهن وديمومة مسار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق.
ومن خلال مراجعة للبيانات الإحصائية المتوفرة في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي حول تطورات السكان في العراق، نلاحظ وجود زيادة سريعة في معدلات نموه فقد بلغ عدد السكان (26.3) نسمة عام (2003)، وبلغ بحدود (40) مليون نسمة عام (2022)، محققاً بذلك نسبة نمو بحدود (3%)، ويُلاحظ أيضاً ارتفاع الفئة العمرية للسكان في سن العمل لأكثر من (52%)، بينما تبلغ نسبة السكان في سن (65) سنة فما فوق بحدود (3%) من مجموع السكان، وهذه النسبة تكشف حقيقة ارتفاع نسبة الإعالة في العراق، ممّا يُثقل العبء على الفئة العمرية الفعّالة من السكان.
ثانياً: التشغيل  وحجم البطالة:
لقد كانَ لتردي عمليات الإنتاج وازدياد نسب التضخم في الاقتصاد العراقي، الأثر المباشر في تدني الاستثمار، الأمر الذي أدى بالمقابل إلى زيادة البطالة في كافة أنواعها وخصوصاً فئة الشباب الذين تقع أعمارهم (15) سنة فما فوق الذين يشكلون النسبة الأكبر من إجمالي السكان النشطين اقتصادياً، حيث ازداد العرض نتيجة لارتفاع معدلات نمو السكان مقابل انخفاض نمو الطلب على الأيدي العاملة؛ بسبب تراجع الأداء الاقتصادي وعدم القدرة على تحقيق معدلات للنمو الاقتصادي ولضعف العملية الاستثمارية، وبالتالي، ضعف القدرة على توليد فرص عمل جديدة، ممّا جعل البطالة في العراق ظاهرة ينبغي معالجتها ضمن برامج تنموية، باعتبار أنّ الإنسان غاية التنمية ووسيلتها، إلى جانب ما تعكسه هذه الظاهرة من سلبيات على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية.
لقد تباينت تقديرات نسب البطالة في العراق خلال السنوات السابقة، إلا أنّه وحسب الإحصائية الأخيرة الصادرة من منظمة العمل الدولية وبالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فأنّ معدل البطالة بين السكان بلغ (16.5%) عام (2021)، وهذا يعني وجود شخص عاطل من بين كل خمسة أشخاص يعملون، ومن جهة أخرى، فأنّ معدل البطالة بين الذكور بلغ (14.7%) مقابل (28.2%) بين النساء.

لقراءة المزيد اضغط هنا