علي المدن – كاتب وباحث عراقي
الملخص:
يقدم هذا المقال، واعتماداً على المنهجية التاريخية، رصداً تحليلياً لتفكير الإسلاميين الشيعة العراقيين في العمل السياسي وتعريفهم لهويتهم السياسية داخل الدولة، وانتقالهم من التفكير الإسلامي الأممي في يوتوبيا الدولة الإسلامية إلى التفكير الهوياتي في الدولة الوطنية. وتطرح مجموعة من الأسئلة: كيف نظر الإسلاميون الشيعة في أول نشاطهم لذواتهم السياسية؟ ما هي أسس مشروعهم السياسي للدولة التي يريدون تحقيقها؟ ما هي الظروف التي رافقت انتقالهم للتفكير السياسي الهوياتي؟ وما هي معالم هذا التفكير الأخير؟ وهل سبق للشيعة قبل مرحلة الإسلام السياسي أن فكروا أو تمثّلوا ذواتهم بنحو هوياتي أو أنّ هذا التفكير لم يكن موجوداً ثم نشأ لاحقاً؟ وهل ثمة مشاكل يمكن أن تواجه الدولة والمجتمع العراقيين مع هذا التحويل الأخير؟ وتنتهي الورقة إلى أنّ العراقيين الشيعة لم يفكروا سياسياً بهويتهم الدينية بالرغم من اعترافهم بوجود هوية مذهبية شيعية كما هو الحال مع بقية المذاهب الإسلامية، وأنّ أول نشاطهم السياسي الإسلامي نشأ تديين السياسة إلى أن حصلت أحداث الثورة الإسلامية الإيرانية عام (1979)، حينها أعاد الإسلاميون في المنفى فهمهم لمشكلة الدولة والحكم في العراق بأنه «مشكلة طائفية» ثم تصعد مع هذا الفهم الجديد تعريف لنشاطهم السياسي الذي يقوم على أساس هوياتي عابر للحدود، وأنّ هذا التفكير أفضى إلى تقسيم المجتمع العراقي وإضعاف الدولة الوطنية، وأنّه كلما استمر هذا التفكير بالنفوذ والهيمنة تراجعت فرص بقاء العراق كدولة موحدة أو على الأقل دولة موحدة ناجحة.
أولا: مفهوم الإسلام السياسي
شاع منذ فترة ليست بالقصيرة في أدبيات الكتابة والتحليل السياسي استخدام مصطلح «التشيّع السياسي» في وصف القوى السياسية الإسلامية الشيعية الفاعلة على الساحة العراقية، مما دفع الكثيرين إلى السؤال عن معنى هذا المصطلح ومبررات استخدامه أو حتى الحاجة إليه في توصيف المشهد السياسي العراقي المعاصر. وقد سبق لنا في بعض ما نشرناه من أبحاث ومقالات استخدام هذا المصطلح في سياق تحليل حضور وتطور المسألة الدينية في المجال العام العراقي فكرياً وسياسياً، إلا أنّ بعض المعترضين على استخدام المصطلح لم يجمعوا بين تلك المقدمات التي سبق شرحتها والنتيجة التي تترتب عليها. وما نحاوله هنا استأنف توضيح المصطلح وشرح مبررات استخدامه دون الدخول في التفاصيل الكثيرة التي تقدم منا الحديث عنها مفصلاً في تلك الكتابات السابقة. وبما أنّ مصطلح «التشيّع السياسي» هو تطور في منظومة التفكير السياسي الإسلامي الشيعي فإن فهم ما يتضمنه من تغيير مفاهيمي على تلك المنظومة لن يكون متيسراً ما لم يسبقه توضيح لمفهوم «الإسلام السياسي» كما تبنته الجماعات السياسية الإسلامية الشيعية.
إنّ مصطلح الإسلام السياسي يشير إلى الفكرة القائلة بأنّ الإسلام كدين هو نظام فكري مكون من شريعة ودولة، وأنه لا يمكن فصل الدولة عن الشريعة، وأنّ هذه الشريعة ليست مجرد أحكام فقهية تتعلق بالمجتمع وإنما أيضاً «رؤية سياسية» تدعو إلى قيام نظام سياسي منبثق منها ومؤسس عليها وحامل لاسمها، وهو: النظام السياسي الإسلامي. فلا يكفي ونحن نفكر بالإسلام كدين أن نتحدث عن عقيدته في الله وصفاته وقيمه الأخلاقية أو حتى المبادئ التشريعية التي يؤمن بها، وإنما نحن أيضاً بحاجة إلى تشكيل «نظام سياسي» يحكم باسم الإسلام، وبدون هذا النظام السياسي يكون تفكيرنا بالإسلام منقوصاً. ليس هذا فحسب بل إن أي نظام سياسي آخر لا يقوم على تلك الشريعة الإسلامية فهو نظام «كافر» لا يجوز للمسلمين القبول به، بل إن واجبهم الديني مناهضته والثورة عليه وصولاً للإطاحة به واستبداله بالنظام السياسي الإسلامي.

لقراءة المزيد اضغط هنا