حسين الطائيّ: باحث في الشأن السياسي
يؤثِّر الغزو الروسي لأوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ثلاثة ميادين أساسية هي: المفاوضات السياسية، والعمل العسكري، والمساعدات الإنسانية والأمن الغذائي، وإمدادات النفط والغاز بات وما زال من الواضح أن التداعيات متعددة الأبعاد حتى الآن، تقتصر آثارها على المجال السياسي والاقتصادي، لكنها ملحوظة أيضاً في مجال الطاقة بصورة أكبر، مع قيام أطراف الصراع بإعادة التموضع في مواجهة بعضها بعضاً، وحيال العالم الخارجي. أمَّا اقتصادات المنطقة وعقودها الاجتماعية المتوترة أصلاً فقد تكون التداعيات متفاوتة ومتذبذبة ومن الممكن أن يصل الحال إلى أن تكون مدمرة في بعض دول الشرق الأوسط، وتشكِّل الارتفاعات الكبيرة في أسعار القمح والوقود، مع ما لذلك من تداعيات سياسية غير مؤكدة، وإنَّ الآثار الرئيسة حتى الآن للحرب في أوكرانيا على المنطقة. تعتمد بعض دول الشرق الأوسط اعتماداً مفرطاً على استيراد الغذاء والطاقة، ممَّا يتركها هشَّة على نحو خاص أمام الصدمات الاقتصادية نتيجة الأزمة الأوكرانية؛ إذ إنَّ بعض الدول تشتري كميات كبيرة من القمح من أوكرانيا وروسيا. في حين أنَّ بعضاً مثل دول الخليج العربية بما فيهم العراق، تمتلك احتياطيات كبيرة، فإنَّ دولاً أخرى، مثل لبنان، لا تمتلك أي احتياطيات؛ ممَّا يجعل احتمال حدوث نقص لديها حقيقياً جداً. إذ نتطرق في هذه الورقة إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي في ظل هذه الأزمة بشقين مهمين:
تبعاتها في المنطقة العربية خصوصاً في مجال الطاقة والغذاء.
تأثيرها على المستوى السياسي.
الاستفادة من مصدر الطاقة
شهدت الحرب ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها في 14 عاماً. وقد أدَّى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخُّم والانكماش الاقتصادي على مستوى العالم، أمَّا دول الخليج الغنية بالطاقة، فإنَّ الأخبار السارة تأتي بعد 8 سنوات من الركود الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.
تعني الأموال الإضافية أنَّ دول الخليج سيكون لديها فائض في الميزانية للمرة الأولى منذ عام 2014. ومن المتوقع أيضاً أن يتسارع النمو الاقتصادي تسارعاً كبيراً. على سبيل المثال، نما الاقتصاد السعودي بنسبة (9.9%)، وهو أعلى معدل نمو في عقد من الزمان. في تناقض صارخ، انكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة (1.5%).
كما أتاحت الحرب فرصاً لمنتجي الغاز في المنطقة. على مدى عقود، اختارت الدول الأوروبية استيراد الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب بدلاً من شحنها من دول بعيدة عن طريق البحر. ولكن في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا للتوقف عن الاعتماد على الغاز الروسي، فإنَّها تبحث عن شركاء جدد محتملين للشراء منهم. وتعهدت قطر بتقديم نصف إجمالي طاقتها من الغاز إلى أوروبا في غضون 4 سنوات.
كما وقع الاتحاد الأوروبي صفقات غاز مع مصر وإسرائيل (فلسطين المحتلة)، وكلاهما يطمح لأن يكون مركزاً للغاز الطبيعي في المنطقة، وفي زيارة لباريس الشهر الجاري، وقَّع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد اتفاقية تضمن تصدير الديزل من الإمارات إلى فرنسا.
موارد الطاقة الروسية ودورها في التأثير على سوق الطاقة
تشكِّل كلٌّ من روسيا وأوكرانيا نسبةً كبيرةً من الصادرات العالمية لعدد كبير من السلع الإستراتيجية. تُعدُّ روسيا مصدراً أساسياً للغاز الطبيعي وثانياً أكبر مصدر للنفط الخام. إذ تمثِّل روسيا نحو(25%) من صادرات الغاز الطبيعي العالمي، و(18%) من صادرات الفحم، و(14%) من صادرات البلاتين، و(11%) من صادرات النفط الخام العالمي،  ومن ثَمَّ فإنَّ المخاطر المحتملة ستؤدِّي إلى ضغوط بالانخفاض الحاد في المعروض من هذه السلع، وهذا بدوره يؤدِّي إلى عرقلة أعمال البناء والبتروكيمياويات، والنقل، والذي من شأنه أيضاً أن يخفِّض النمو الاقتصادي.

لقراءة المزيد اضغط هنا