مقدمة
لم يعدِ الحديث عن القوانين الانتخابية الأخرى غير التمثيل النسبي بآلية سانت ليغو مجدياً في المرحلة الحالية بعد مضي مجلس النواب في العشرين من أذار 2023 بالتعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات. ويمكن للقوى والأطراف المعترضة على التعديل البحث عن آليات للتكيُّف معه، بدل الاعتراض عليه، الذي قد لا يغيِّر شيئاً في ظل وجود أغلبية برلمانية أتاحت تمريره، وقادرة على صد أي محاولات لتعديله في ظل المعادلة البرلمانية القائمة اليوم.
وعند التفتيش عن المعترضين فإنَّ معظمهم يندرج ضمن ما بات يُعْرَف في العراق بـ»القوى الناشئة» التي ظهرت بعد 2019 سواءً أكانت مرتبطة بحراك تشرين أم مرتبطة غير ذلك من القوى الجديدة التي لم تكن تمتلك حضوراً سياسياً قبل هذا التاريخ.
ولمَّا كان الاعتراض وحده لا يمكن أن يكون منتجاً فإنَّ الاستمرار بالعمل السياسي يتطلب التكيُّف مع أي قانون للانتخابات، وما دمنا نتحدث اليوم عن التمثيل النسبي بآلية سانت ليغو فإنَّ القوى الناشئة ستجد نفسها أمام أكثر من خيار؛ لتخطِّي معادلة سانت ليغو التي ستكون قاسية جداً على الأحزاب الصغيرة والمستقلين الذين لا يدخلون الانتخابات ضمن تحالفات كبيرة.
أولاً: تطبيق التمثيل النسبي في العراق
إنَّ انتقال أي دولة إلى الديمقراطية كنظام للحكم وعدِّ الشعب مصدراً للسلطات يتطلَّب وجود آلية يمكن عن طريقها تحويل إرادات الناخبين إلى مقاعد في السلطة التشريعية عن طريق التعبير الحر عن إراداتهم. تسمَّى هذه الآلية النظام الانتخابي الذي إن صلح فإنَّ كلَّ الذي بعده يكون صالحاً، وتأتي نتائج الانتخابات شفافة ونزيهة، وإن لم يكن كذلك فإنَّ نتائج الانتخابات تكون مشوَّهة، ولا تعبِّر عن الرغبات الحقيقية للناخبين.
وما يتعلُّق في العراق فإنَّ النظام الانتخابي اعتمد التمثيل النسبي منذ أول انتخابات شهدتها البلاد عام 2005 حتى انتخابات 2018 قبل أن يُنْتَقل إلى قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020 الذي قسَّم المحافظات على دوائر انتخابية متعددة، والذي أقر في ظل متغيرات شعبية وسياسية متسارعة بعد الاحتجاجات التي اندلعت في تشرين الأول 2019 وتداعياتها؛ ليمثِّل تجربة جديدة تضاف إلى سابقاتها؛ لتكون هذه التجارب بمجملها الرصيد الانتخابي لصيرورة العراق الديمقراطي الذي يشهد اليوم جدلاً واسعاً بشأن النظام الانتخابي الأنسب.
ومع وجود اتفاق على أنَّ نظام التمثيل النسبي يؤدِّي -في كثيرٍ من الأحيان- إلى عدم الاستقرار السياسي، وينتج عنه ضعف في الحكومات التوافقية التي يفرزها، إلا أنَّه طبَّق في العراق منذ أول انتخابات تشريعية جرت عام 2005، وطيلة هذه المدة تسبَّبت الانتخابات ونتائجها بخلافات عميقة بين الأطراف المتنافسة، ممَّا يُشير إلى أنَّ الوصول إلى نظام انتخابي يُرْضِي جميع الأطراف أمر صعب للغاية، فالنظام الانتخابي الذي يترجم أصوات الناخبين إلى مقاعد في السلطة التشريعية يتطلب مجموعة من القوانين والإجراءات والمؤسسات التي تسهل عمله، وأي خلل في عمل النظام الانتخابي يجعله مثاراً للتشكيك، كما حدث في النظم الانتخابية العراقية منذ عام 2005.
لكن ذلك لا يلغي الأهمية الكبيرة للنظام الانتخابي لدولة مثل العراق تحوَّلت إلى الديمقراطية حديثاً، إذ إنَّ التحوُّل الديمقراطي في العراق الذي حدث عام 2003 كان يتطلب وجود إطار قانوني للعملية الديمقراطية التي تشكل الانتخابات أهم معاييرها، فظهرت الحاجة الملحَّة لسن قانون انتخابات تجري على أساسه الانتخابات الأولى في العراق الديمقراطي.

لقراءة المزيد اضغط هنا