تزداد المحددات الاقتصادية التي تواجه الشباب العراقي عمقاً؛ لتفاقم غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي، والاعتماد الشديد على اقتصاد مورد الإيرادات النفطية، وغياب المساواة، والعدالة التوزيعية، وعدم المواءَمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً في صفوف الخريجين الجامعيين، وتنامي الفساد الإداري والمالي، ومعاناة العاملين من عدم شمول الرعاية الاجتماعية، والضمان الاجتماعي، فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار العراقي، مع غياب الإصلاحات البنيوية على مدار عقدين.
نجم عن ذلك، إفقار شريحة كبيرة من الشعب العراقي، وقع ضحيتها الشباب، ممَّا انعكس في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع حجم الاستثمار، والتشغيل، وعدم توفير فرص العمل للشباب، وتوفير الحماية والدعم للشباب الرياديين، والسؤال الذي تحاول الورقة الإجابة عليه: ما التحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب في العراق؟ وما الحلول والسياسات الممكنة لعالجتها، لا سيَّما في ظل حكومة جديدة تواجه تحديات وأزمات المركبة: (اجتماعية، وصحية، وسياسية)، ولدراسة هذه المشكلة اعْتُمِدَ على البيانات والمؤشرات الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالموضوع.
أولاً: بيئة ممارسة الأعمال
إنَّ التقارير التي أصدرها البنك الدولي بخصوص واقع أداء الأعمال في العالم، قد كشفت عن تدهور موقع العراق في المؤشرات الخاصة بذلك، ولأنَّ التقدُّم أو التراجع، في هذه المؤشرات تمثِّل معياراً لمدى التحسُّن في البيئة الاستثمارية للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي). يُعدُّ هذا التراجع بمنزلة صدمة لهؤلاء الذين يفكِّرون في إمكانية استغلال الفرص المتاحة، أو الواعدة في الاقتصاد العراقي. ويمكن إيضاح ذلك عن طريق ما يأتي:
يحتل العراق المرتبة (172) من بين (190) دولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي (2020)، وتُعدُّ أسوأ مرتبة مقارنة بالمتوسط الحسابي على الصعيد الإقليمي.
يحتل الاقتصاد العراقي المرتبة (152) من أصل (190) اقتصاد؛ لبدء تأسيس الأعمال التجارية فيه، إذ يتطلب ذلك حوالي (26.5) يوماً؛ لكي يتمكَّن المواطن العراقي من تأسيس شركة صغيرة أو متوسطة الحجم (ذات مسؤولية محدودة)، وإنَّ الحد الأدنى لتكلفة التأسيس يصل إلى حوالي (14.6%) من إجمالي الدخل الفردي للمواطن. (وهكذا جاء العراق في مرتبة أدنى من سائر الدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث إجمالي الوقت والتكلفة ومتوسط عدد الإجراءات).
صُنِّفَ العراق كواحد من أكثر البلدان صعوبة في استكمال الإقرارات الضريبية، إذ يفتقر العراق إلى أنظمة وبنية تحتية متطورة في هذا المجال، ممَّا يجعل الامتثال الضريبي بطبيعته أكثر صعوبة في العراق منه في أي مكان آخر.
احتل العراق المرتبة (147) عالمياً (من بين 190 دولة) في تطبيق شروط عقود العمل.
احتل الاقتصاد العراقي المرتبة (186) من بين (190) اقتصاد من حيث سهولة الوصول إلى الموارد المالية (الحصول على الائتمان)، ممَّا يشير بوضوح إلى وجود عقبات كبيرة أمام عملية تمويل المشروعات.
تزداد العوائق اقتصادية التي تواجه الشباب سوءاً؛ نتيجة الإجراءات الاستثمارية غير الواضحة وغير الفعالة ووضع الشركات والأسواق الناشئة والافتقار إلى البنية التحتية، والإخفاقات الإدارية والحواجز البيروقراطية أمام الاستثمار، والبرامج الحكومية المحدودة تجاه الشباب، ومشكلة الزيادة الناشئة في عدد الشباب فنحو (60%) من الشعب العراقي هو ما دون سن (25) عاماً، وعديد منهم عاطلون عن العمل، أو على الأقل غير منخرطين في سوق العمل، والافتقار إلى المهارات، فعدد الشباب المؤهلين غير كافٍ على الأرجح في تولِّي الوظائف الفنية في حال زاد الطلب عليها، ويمثِّل التشغيل القضية الأساسية في حياة الشباب؛ لأنَّه يوفِّر الأدوات الكفيلة للولوج في المجتمع، فيغدو الشاب العامل إنساناً منتجاً، ومستقلاً مادياً، إذ إنَّ عدم الحصول على عمل، يولد الإحباط والمعاناة ويؤسس لردود فعل سلبية تجاه النفس والآخر، إذ إنَّ استفحال ظاهرة عدم وجود فرص العمل، وبيئة اقتصادية تفتقر لضوابط ومدونات السلوك، والأمن الاقتصادي، وعدم تحرر المستثمر من رعب المخاطرة، ممَّا أدَّت إلى خلق بيئة غير مناسبة في سوق العمل، كما أشارت نتائج مسح الفتوة والشباب إلى أنَّ أسباب عديدة دعت الأفراد إلى العمل.

لقراءة المزيد اضغط هنا