مقدمة
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني في 24/2/2023، والوضع الميداني في حالة جمود، وترقُّب، وانتظار مآلات الحرب التي استنزفت كلاً من روسيا والغرب، فضلاً عن الدمار الذي لحق بأوكرانيا ووحدة أراضيها، وتشرُّد ملايين من سكانها في أرجاء أوروبا، التي تضرر اقتصادها؛ بفعل التوقُّف عن شراء الغاز الروسي بفعل العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، والتوجُّه نحو مصادر بديلة للغاز الروسي، وبكلف عالية أثقلت كاهل الاقتصاد الأوروبي.
من جهتها الولايات المتحدة التي وإن عُدَّت من أكثر المساهمين بالحرب التي تخوضها أوكرانيا بالنيابة عن واشنطن والغرب عموماً، في مواجهة روسيا التي يمكن القول إنَّ أداءَها الاقتصادي -وإن أرهقها الحرب بفعل العقوبات- فاق توقعات الغرب والولايات المتحدة بصورة خاصة، والتي راهنت على انهيار اقتصادها الذي يقوم على صادرات الطاقة والغاز الطبيعي بصورة خاصة إلى أوروبا. ومع ذلك فإنَّ مهارة صانع القرار الروسي في اللعب على التناقضات الدولية استطاع عن طريقها إيجاد أسواق بديلة عن أوروبا كالهند، والصين، وجنوب إفريقيا، ممَّا منحها القدرة على المطاولة في الحرب.
 سنحاول في هذه الورقة الإجابة عن التساؤل الرئيس الذي يشغل بال صناع القرار فضلاً عن مراكز التفكير وأكاديميات العلاقات الدولية حول العالم (لخطورة الوضع الدولي الراهن)، وهو كيف ستنتهي الحرب الأوكرانية؟ وللإجابة عن هذا التساؤل لا بدَّ من الإجابة عن تساؤل آخر سيشكِّل مدخلاً لاستشراف الكيفية التي ستنتهي بها الحرب، وهو لماذا اندلعت الحرب الأوكرانية؟
أولاً: لماذا اندلعت الحرب؟
يتطلَّب البحث في الأسباب أو المقدمات التي قادت إلى اندلاع الحرب الأوكرانية في شباط من العام 2022 الرجوع إلى الوراء قليلاً وتحديداً إلى العام 2014، إذ شكَّلت أحداث شباط عام 2014 منعطفاً خطيراً للأمن القومي الروسي، ممَّا أدَّت تطوراته إلى اندلاع الحرب في العام الماضي. ومن ثَمَّ يقتضي البحث عن الأسباب التي أدَّت إلى اندلاع الحرب تحليل أهمية أحداث شباط 2014.
منعطف شباط 2014
كانت الإطاحة بالرئيس الأوكراني (فيكتور يانوكوفيتش) في شباط 2014 على يدي حركة احتجاجات واسعة، رأت فيها موسكو أنَّها كانت مدبَّرة من قبل الولايات المتحدة والغرب؛ تمهيداً لإقامة نظام سياسي في أوكرانيا يقوم بمهمة إخراج كييف من دائرة النفوذ الروسي، والسير بالبلاد إلى أحضان الناتو والاتحاد الأوروبي.
خلف (يانوكوفيتش) الرئيس (بترو بوروشينكو) الذي فاز بالانتخابات المبكِّرة التي أقيمت في 25/5/2014. وقضى (بوروشينكو) فترته الرئاسية في التعامل مع واقع جديد في أوكرانيا مفاده سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم الإستراتيجية بعد غزوها في العام نفسه (أي: 2014) من جهة، وسيطرة الانفصاليين (ومعظمهم مواطنون روسيو الأصل) الذين بدأوا حركة احتجاجات مدعومة من موسكو في أذار 2014 في مقاطعة دونباس المكونة من مدينتي (دونيتسك، ولوهانسك) وإعلانهما جمهوريتان مستقلتان.
واستمر هذا الأمر الواقع منذ شباط 2015 بتوقيع أطراف الصراع على اتفاقية منسك؛ تتويجاً لعملية السلام التي رعتها منسك في أيلول 2014، استمر هذا الواقع حتى مجيء الرئيس (فلوديمير زيلينسكي) عام 2019، الذي اتخذ عدداً من القرارات التي وضعت البلاد على الطريق للانضمام للناتو، أهمها إقرار تعديل دستوري عام 2019 يدعم هذا التوجُّه، وفي أيلول 2020، وافق الرئيس (فولوديمير زيلينسكي) على إستراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا، والتي تنص على تطوير شراكة مميزة مع الناتو بهدف العضوية في الناتو، ممَّا تعدُّه روسيا تهديداً للأمن القومي، وخطاً أحمرَ لا يقبل التفاوض، وهنا أخطأ الغرب حينما ظن أنَّ أوكرانيا بالنسبة لروسيا مسألة نفوذ لا أمن قومي، وثمَّة فارق كبير بين الاثنين.
لم تلقَ هذه الإجراءات الأوكرانية أي ردة فعل من إدارة الرئيس ترامب الذي لم يكن مهتماً بالناتو، واستخدم أوكرانيا كورقة في صراعه ضد الديمقراطيين، وضد بايدن تحديداً. لذا لم تشكل إجراءات الحكومة الأوكرانية وتوجهاتها حيال الاقتراب من عضوية الناتو أي تهديد يذكر إلا بعد مجيء إدارة بايدن الديمقراطية المعروفة بتوجهاتها تجاه روسيا، واستخدامها للناتو كأداة لتطويق روسيا.

لقراءة المزيد اضغط هنا