مقدمة
لم يعدِ الحديث عن تطبيق نظام انتخابي غير مضمون النتائج مجدياً في العراق بعد الهزات التي تعرضت لها الساحة السياسية في السنوات الماضية، إذ بات ضرورياً البحث عن نظام انتخابي يتناسب مع الحالة العراقية من حيث عمرها وتعقيداتها وطبيعة تفكير الأحزاب والقوى المشاركة بها؛ لأنَّ السياسة هي فنُّ الممكن، والانتخابات جزء لا يتجزأ من العملية السياسية في العراق، ممَّا يحتِّم التعامل مع العملية الانتخابية، وكل ما يتعلق بها، بما في ذلك قانونها بواقعية بعيداً عن المثالية غير المنتجة، أو التشاؤم المفرط.
لا بدَّ من إيجاد قواعد انتخابية قادرة على الذهاب بالعراق نحو الاستقرار حين البحث عن النظام الانتخابي الأنسب، وإن كان بصورة تدريجية لما تمتلكه الانتخابات من تأثير في العملية السياسية؛ لأنَّ القوى والأحزاب ستتفاعل مع مخرجات العملية الانتخابية في حال كان هناك نظام انتخابي مقنع، وإن كان بصورة نسبية، كما هو الحال في اليابان التي انتقلت من نظام الصوت الواحد المتحول إلى النظام المختلط وسط تأييد الأحزاب، حتى تلك التي وجدت نفسها خاسرة بعد هذا التحول.
إنَّ تكيُّف الأحزاب مع أي نظام انتخابي جديد أمر في غاية الأهمية؛ لأنَّ ذلك يمكن أن يضمن استقراراً سياسياً يعقب أي: إنَّتخابات ومن ثَمَّ عدم تكرار تجربة عام عدم الاستقرار الذي أعقب انتخابات 2021.
دفعَ التعقيد الذي شاب النظام الانتخابي بين عامي (2005 – 2021) باتجاه التفكير بإعادة النظر فيما طُبِّقَ من نظم انتخابية بالإبقاء على محاسنها، وتلافي سيئاتها؛ للوصول إلى نظام يحتوي على معايير النزاهة، والعدالة، والشفافية، ويتناسب مع أوضاع العراق.
ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى النصائح الثلاث التي قدَّمها روبرت دال في كتابه (عن الديمقراطية) للدول التي تعاني من عدم استقرار نظمها الانتخابية، أولها، الإسراع في استبدال النظام الانتخابي في حال وجدت هذه الدول أنَّ نظامها الانتخابي لا يلبِّي احتياجاتها، والثانية، تتمثَّل بالبحث عن نظام انتخابي يتناسب مع خصوصيات هذه الدول التاريخية، والفكرية، والاجتماعية، أمَّا النصيحة الثالثة فتشير إلى ضرورة دراسة جميع البدائل المتوفرة بعناية عن طريق الاستعانة بخبراء في مجال النظم الانتخابية، داعياً إلى أن يكون النظام الانتخابي يسيراً ومفهوماً من قبل الجميع، وغير بعيد عن الابتكار، ويفسح المجال للجميع؛ للوصول إلى السلطة التشريعية.
ويجد الباحث عن النظام الانتخابي الأنسب للعراق نفسه بحاجة للأخذ بالنصائح الثلاث في ظل وجود رغبة لاستبدال النظام الانتخابي الذي يتناسب مع الخصوصيات العراق، ومع دراسة جميع البدائل المتوفرة.
وبعد أن جرَّب العراق نظامي التمثيل النسبي والصوت الواحد غير المتحول بات من الضروري التدقيق في إيجابيات النظامين للاستفادة منها، وتلافي سيئات التمثيل النسبي والصوت الواحد غير المتحول؛ للوصول النظام الانتخابي الملائم للعراق، بالاستفادة من التجربة الانتخابية اليابانية التي أصبحت أكثر استقراراً بعد الانتقال من نظام الصوت الواحد غير المتحول إلى النظام المختلط المتوازي.

تحميل الكتاب كاملاً بصيغة PDF