مقدمة
نشر مركز البيان للدراسات والتخطيط في أيلول 2021 ورقة بعنوان «استحقاقات دستورية معطلة: مجلس الاتحاد ونائب الرئيس ومجالس المحافظات» تحدَّثت عن استحقاقات دستورية مهمة مجمدة هي مجلس الاتحاد ونائب الرئيس ومجالس المحافظات، في محاولة للبحث عن أسباب تعطيل فقرات دستورية مهمة مهَّدت الطريق لعمل ثلاثة مفاصل تُعدُّ من مظاهر الديمقراطية في أي دولة، أولها مجلس الاتحاد الذي يمثِّل النصف المغيب للسلطة التشريعية، وكذلك نائب رئيس الجمهورية الذي أوجب الدستور وجوده كجزء من السلطة التنفيذية، فضلاً عن مجالس المحافظات التي جاء بها الدستور لتكون إحدى مظاهر اللامركزية في العراق الديمقراطي.
المشاكل التي عُرِضت في الورقة لم تكن غائبة عن الحكومة الجديدة التي تشكلت في تشرين الأول 2022، والتي أدرجت قضيتين منها ضمن مهامها عن طريق التمهيد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، والعمل على تشريع قانون مجلس الاتحاد، يضاف إلى ذلك ما يجري تداوله بشأن وجود رغبة بعودة منصب نائب، أو نواب رئيس الجمهورية في الدورة الحالية.
أولاً: الاستحقاقات الثلاثة في الدستور
هيَّأ الدستور العراقي لمجلس الاتحاد عن طريق النص الصريح الذي جاءت به المادة (48) «تتكوَّن السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد»، ممَّا يُشير بوضوح إلى أنَّ السلطة التشريعية ثنائية قائمة على أساس وجوب وجود مجلسين، أي: لا يمكن اختصار السلطة التشريعية بمجلس النواب وحده.
وجاءت المادة (65) من الدستور بتفاصيل أكثر بشأن طبيعة مجلس الاتحاد وعضويته وكيفية تشكيله، إذ نصت على «إنشاء مجلس تشريعي يُدْعى مجلس الاتحاد، يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظَّم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب».
مع أهمية هذه المادة؛ لأنَّها جاءت بالأسس التي يمكن عن طريقها فهم آليات المضي نحو تشكيل مجلس الاتحاد، إلا أنَّها وضعت في الوقت نفسه عائقاً كبيراً أمام تشكيله حين رهنت وجود مجلس الاتحاد بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي: أصبح مجلس الاتحاد بمنزلة التابع لمجلس النواب، وليس موازياً له كما ورد في المادة (48) التي أشارت إلى وجود مجلسين يمثِّلان السلطة التشريعية من دون تفضيل أحدهما على الآخر.
كما أوجبت المادة (69: ثانياً) من الدستور وجود نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، على أن يُنظَّم ذلك بقانون، ما يعني أنَّ رئيس الجمهورية يجب أن يكون له نائب واحد على الأقل يقوم بمهام محدَّدة، ويتولَّى صلاحيات أخرى في حال غياب الرئيس.
وما يؤكِّد وجوب وجود نائب للرئيس في الدستور ما ورد في المادة (75: ثانياً) بأن يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس في حال غيابه، ثم في المادة (75: ثالثاً)، وقد نصَّت «يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأيِّ سببٍ كان».
وفيما يتعلق بمجالس المحافظات، نصَّت المادة الأولى من الدستور على أنَّ العراق دولة اتحادية، ومن ثَمَّ لا يمكن لأي دولة اتحادية مغادرة النظام اللامركزي في الحكم، سواءً كانت لا مركزية سياسية أم إدارية، إذ تُعدُّ اللامركزية أداة للانتقال من النمط المركزي إلى اللامركزي الذي يعتمد توزيع الصلاحيات والاختصاصات، ومنح كل طرف (أي: العاصمة والولايات، أو المقاطعات، أو المحافظات) ما يستحقه منها، ومن هنا بدأت دول اتحادية تتخلَّى عن فكرة وحدة السيادة التي لا تتجزَّأ، والاتجاه نحو تقديم الخدمات للسكان البعيدين عن المركز عن طريق تشكيل مجالس محلية منتخبة.
وأشارت المادة (122) إلى وجوب وجود مجالس للمحافظات تُنظَّم بقانون، وهو ما جرى تنظيمه لاحقاً بقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008، كما منحت المادة المذكورة المحافظات صلاحيات إدارية ومالية واسعة؛ لتمكينها من إدارة شؤونها وَفْقاً لمبدأ اللامركزية الإدارية، وعدَّتِ المحافظ الذي يختاره مجلس المحافظة المنتخب المسؤول التنفيذي الأول في المحافظة، ويُنفِّذ الصلاحيات التي يخوِّلها له مجلس محافظته.

لقراءة المزيد اضغط هنا