د. عدنان عبدالأمير الزبيديّ  – جامعة تكريت، كلية العلوم السياسية
تمهيد:
يؤكِّد علماء الآثار أنَّ أول موطن للزراعة كان في العراق، وفي مناطقه الشمالية في العصر الحجري الحديث، في حدود (12 ألف عام قبل الميلاد)، طبقاً لكهوف زرزي في السليمانية، وقرية جرمو، إلى الشرق من جمجمال بنحو (11 كم)، وقرية حسونة التي تقع على بعد (35كم) جنوب مدينة الموصل، فضلاً عن القرى الزراعية في السهل الرسوبي، مثل: أور، وأريدو، والوركاء، وتُعدُّ الزراعة من أهم المهن الاقتصادية في أي دولة، وتكمن أهميتها في أنَّ الإنتاج الزراعي -بشقيه الحيواني والنباتي- المصدر الأساسي للغذاء لأي مجتمع، فضلاً عن توفيره فرص عمل لعدد كبير من السكان، إذ بلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة في العراق -وبموجب تعداد 1997- بحدود (950317) نسمة، وبنسبة مقدارها (6. 19%) من إجمالي السكان النشطين اقتصادياً في العام 2000، وقد تضاربت الآراء حول مساحة الأراضي الزراعية في العراق؛ بسبب فقدان أدلة البيانات والمعلومات الأساسية لرسم أي سياسة عامة؛ لعدم وجود إحصاء سكاني عام لكل العراق، ومنذ آخر تعداد سكاني عام 1997، ولخمس عشرة محافظة فقط ما عدا إقليم كردستان، إذ تُشيرُ بعض الآراء إلى (30) مليون دونم، من مجموع مساحة الأراضي العراقية البالغة (177،770) مليون دونم، أي: إنَّ الأراضي العراقية الصالحة للزراعة تشكِّل قرابة (17%) من مساحة العراق، وهي نسبة جيدة مقارنة بكثير من عالم الجنوب، فمثلاً الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في جمهورية مصر العربية لا تشكِّل إلا (6%) من مجمل المساحة الكلية.
كان إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي -بعد العام 2003- يقدَّر بـ(5%) على وَفْق تقديرات عام 2010، وفي عام 2013 كانت المساهمة النسبية للناتج المحلي الإجمالي لقطاع الزراعة والغابات والصيد (9. 3%)، ممَّا يتضح المساهمة الضئيلة للقطاع الزراعي العراقي في الناتج المحلي الإجمالي، وتخلُّف التنمية الزراعية في العراق، والذي يُعدُّ مظهراً من مظاهر الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي في العقود الثلاثة المنصرمة، ممَّا جعل النظام الاقتصادي العراقي ينظر إلى القطاع الزراعي كقطاع ثانوي، إذ جعل القطاع الزراعي يعاني من تحديات خارجية (التطور العلمي والتكنولوجي)، والتحديات الداخلية (عدم الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات الزراعية، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي).
أولاً: الخلفية والنقاشات
يُعدُّ القطاع الزراعي أحد أهم النشاطات الاقتصادية التي تسهم في الاقتصاد الوطني، ويرتبط الأمن الغذائي بالأمن الوطني، إذ إنَّ تحقيق الأمن الغذائي معتمد بالدرجة الأساس على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، فضلاً عن إسهام القطاع الزراعي بتنويع الاقتصاد، وتخفيف وطأة الفقر، وتحسين الميزان التجاري، وتحقيق حركة لمعظم القطاعات المرتبطة به، كما يسهم تطور القطاع الزراعي في مكافحة البطالة، وتقليص حجم الاستيراد، وتطور المجتمع ونهوضه، وتعزيز الاقتصاد الوطني، كما أنَّ المنتج الوطني الأكثر أماناً واطمئناناً على السلامة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد؛ لأنَّ معظم الأمراض مرتبطة بالغذاء، والاستهلاك الغذائي، فضلاً عن تطور القطاع الاقتصادي الزراعي الذي ينعكس انعكاساً إيجابياً على تحسين الواقع البيئي.

لقراءة المزيد اضغط هنا