مقدمة:
بعد مرور أكثر من عام على الانتخابات المبكرة في العراق التي جرت في العاشر من تشرين الأول 2021، انقسم العراقيون بشأن نظام الصوت الواحد غير المتحول الذي جرت بموجبه تلك الانتخابات، والذي اعتمد تقسيم البلاد على دوائر انتخابية متعددة تساوي مقاعد كوتا النساء في مجلس النواب، أي: (83) دائرة انتخابية، إذ يرى المدافعون عنه أنَّه يتمتَّع بقدر مقبول من الشفافية، خصوصاً بعد أن منح القوى الناشئة والمستقلين فرصة للوصول إلى السلطة التشريعية، في حين يتهمه المعارضون بالتسبُّب بالأزمة السياسية التي ضربت البلاد لأكثر من عام، والتي عرقلت التصويت على رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة، فضلاً عن انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب، وما أعقب ذلك من توتر على المستويين الشعبي والسياسي، إذ استمرَّا حتى التوصل إلى اتفاق سياسي جرى بموجبه اختيار رئيس للجمهورية، والتصويت على الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني في تشرين الأول 2022.
ويجد نظام الصوت الواحد غير المتحول نفسه في محنة، إذ يصعب عليه الصمود في ظل وجود اعتراضات كبيرة على اختباره الأول، ودعوات معلنة للعودة بالعراق إلى الدوائر الانتخابية على مستوى المحافظة، لكن تعديل قانون الانتخابات قد لا يكون سهلاً في ظل وجود أطراف سياسية مستفيدة من تعدد الدوائر الانتخابية.
أولاً: تعدد الدوائر في نظام الأغلبية
لا يمكن لنظام الانتخاب بالأغلبية أن يعمل دون تعدد الدوائر الانتخابية؛ لأنَّه سيعني وجود دوائر انتخابية بعدد أعضاء السلطة التشريعية، إذ يفوز مرشح واحد عن كل دائرة انتخابية، مع وجود بعض الاستثناءات التي تتضمن وجود دوائر انتخابية يفوز فيها أكثر من مرشح كما هو الحال في نظام الصوت الواحد المتحول، والصوت الواحد غير المتحول اللذينِ سنُوضِّحهما لاحقاً.
يمكن أن تطبق الدوائر المتعددة في نظام الأغلبية بطريقتين، الأولى، أن يجري الانتخاب على دور واحد كما هو الحال في بريطانيا، أو على دورين مثل الانتخابات الفرنسية.
وتقسم المملكة البريطانية في نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية على دوائر انتخابية بقدر عدد الأعضاء المزمع انتخابهم للمجلس النيابي، ويتولى الناخبون في الدائرة الانتخابية انتخاب شخص واحد فقط من بين المرشحين بالأغلبية اليسيرة، ومن ثَمَّ فلا يصوِّت الناخب إلا لمرشَّحٍ واحد مهما كان عدد المرشحين في الدائرة الانتخابية، ولهذا تقسَّم الدولة على دوائر انتخابية صغيرة، وبذلك لايسمح هذا النوع من الانتخاب بالمساس بحرية الناخب، فيترك الناخب حراً في اختيار المرشح الذي يريد؛ بناءً على تقديره لكفايته.
ويحث هذا النوع من الانتخاب المرشحين والناخبين على التركيز، وعدم التشتت الذي قد يؤدِّي إلى هدر الأصوات، ويكفل هذا للناخب قدرة أكبر على التفكير في المرشح الأكفأ من غيره، ويساعده ذلك على استخدام صوته بطريقة مفيدة، من منطلق أنَّ اختياره سيكون قاطعاً وفاصلاً، وفي الوقت نفسه يكفل للمرشَّح السعي الجاد للحصول على أكبر عدد من الأصوات.
وساعد نظام الأغلبية ذو الدور الواحد على تركيز الثنائية الحزبية في بريطانيا بين حزبي العمال والمحافظين، فكلٌّ من الحزبين مدرك لضرورة ضم صفوفه، والاحتفاظ بوحدته الداخلية لمواجهة المعركة الانتخابية التي لا تتكرَّر فرصتها إلا كل خمس سنوات، وساعد ذلك على إضعاف الأحزاب الأخرى، ولهذا كله أصبح على الحزبين الالتزام بقواعد تنظيمية محكمة، في مقدمها الانضباط، والامتثال، والتقيد بالمنهجية الحزبية.
وتطبق فرنسا الدوائر المتعددة التي يجب أن يكون الفوز فيها بالأغلبية المطلقة، وفي حال تعذَّر ذلك تكون هناك جولة ثانية من الانتخاب يفوز فيها مَن يحصل على أعلى الأصوات.
ويكون هذا النوع من الانتخاب أكثر تكلفة من الانتخاب بالأغلبية اليسيرة من الدور الأول، لكنَّه يكون أكثر انسجاماً مع واقع البلدان التي تتعدَّد فيها القوى السياسية الحزبية المتنافسة، والتي لا ترى في الدور الأول إلا وسيلة لتقدير قواتها، ليأتي الدور الثاني ليدفعها إلى تقدير حساباتها والتماسك من أجل الفوز.

لقراءة المزيد اضغط هنا