يقوم العامل الخارجي بدور بارز في رسم سياسات الدولة العليا، واتِّباعها نهجاً معيناً في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية؛ لترابط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية للدولة، لذا قام العامل الخارجي بدورٍ مهمٍّ وحساسٍ في رسم عراق ما بعد 2003، على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والعسكري، والدبلوماسي، وحتى على الجانب الاجتماعي، والديني–المذهبي، لذا تركِّز الدولة عبر مؤسساتها الرسمية على مجموعة أولويات تتبعها ضمن السياسة الخارجية لها؛ لتحقيق أهداف إستراتيجية.
السياسة الخارجية في المنهاج الوزاري
قدَّم السيد محمد شياع السوداني منهاجه الوزاري لمجلس النواب في جلسة منح الثقة للكابية الوزارية الجديدة، وتضمَّن المنهاج الوزاري الخطوط العامة لأهم الأولويات التي ستعمل الحكومة عليها في الجانب التنفيذي والتشريعي، وتضمَّن المنهاج الوزاري -أيضاً- ما يقارب ثلاث وعشرون فِقْرَة تعبِّر عن رؤية الحكومة، وركَّزت الفِقْرَة التاسع عشرة على العلاقات الخارجية بصورة منفصلة، إذ تضمَّنت ما يأتي: تهدف الحكومة إلى تعزيز سيادة العراق، وحماية مصالحه على وَفْق الدستور العراقي، والمواثيق الدولية، وحماية الإنسان العراقي، وكرامته خارج العراق عن طريق:
– تعزيز العلاقات مع الدول على أساس مبدأ الاحترام المتبادَل، والمصالح المشتركة، وخصوصاً دول الجوار، ودول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية الشقيقة الأخرى.
– تفعيل دور العراق الريادي بالمنظمات العربية والإقليمية والدولية.
– اعتماد مبدأ عدم السماح بأن يكون العراق ممراً، أو مقراً للاعتداء على الدول الأخرى وَفْق ما نصَّ عليه الدستور، والطلب من الدول الأخرى المعاملة بالمثل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الدخول في سياسة المحاور، واتباع سياسة الصداقة، والتعاون مع الجميع.
– حماية الإنسان العراقي وكرامته خارج العراق كما في الداخل من مسؤولية الحكومة، وعدُّ ذلك من صلب مسؤولية الحكومة وواجباتها، والعمل على أن تكون السفارات العراقية في الخارج بيوتاً للعراقيين فعلياً.
– تكثيف العمل الدبلوماسي مع الدول؛ لتسهيل منح تأشيرات الدخول للعراقيين، وأن يكون للجواز العراقي هيبته، واحترامه في دول العالم.
ونجد -عند النظر إلى هذه المبادئ- أنَّها عامة، وغير تفصيلية عن أولويات الحكومة، وستكون في أي جانب من جوانب العلاقات الخارجية، وما الرؤية التي ستُعْتَمَد في السياسة الخارجية؟ وهل العمل ذو الرؤية المتبعة؟ وهي العمل وَفْق سلوك خارجي محايد فقط، أم إنَّ الحكومة جادة في العمل على التحوُّل من اتباع السلوك الخارجي إلى صنع قرار خارجي، وصنع سياسة خارجية فعلية حقيقية؛ لمواجهة التحديات الخارجية، ولا سيَّما المرتبطة بالأمن القومي العراقي كالمياه والمجاميع الإرهابية.
أولويات الحكومة في القضايا الخارجية
تنطلق أولويات الحكومة الجديدة في القضايا الخارجية من تزايد التحديات الإستراتيجية للعراق، وتمثِّل هذه التحديات الخط الفاصل في علاقات العراق الخارجية، ومحور اهتمام السياسة الداخلية، والرأي العام، وحياة المواطنين العامة، وتمس أمن الدولة القومي، وبعضها يهدِّد وجود الدولة وكيانها، وأهم هذه القضايا هي:
أولاً: المياه
تُعدُّ مشكلة المياه من أهم التحديات للحكومة الجديدة، وكذلك تُعدُّ من سلَّم أولويات الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ لأنَّها مشكلة ذات أبعاد خارجية بالدرجة الأولى؛ نتيجة البنية التكوينية للمياه العراقية، إذ إنَّ الموارد المائية في العراق معتمدة اعتماداً رئيساً على نهري دجلة والفرات اللذين يجريان من تركيا شمالًا باتجاه الجنوب، و ينبع نهر دجلة من جنوب شرق تركيا ويبلغ طوله (1718) كيلومتر، ويُعدُّ ثاني أطول نهر جنوب غرب آسيا، وتبلغ مساحة حوضه (472.606) كيلومتر مربع، إذ يمر منه في تركيا (%17)، وفي سوريا (%2)، وإيران (%29) والعراق (%52)، أمَّا نهر الفرات فينبع أيضاً من جنوب شرق تركيا، ويبلغ طوله (2781) كيلومتر، ومساحة حوضه تبلغ (444000) كيلومتر مربع يقع (28%) منها في تركيا، و(17.1%) في سوريا، والمتبقي (39.9%) في العراق، وعلى هذا الأساس فإنَّ الموارد المائية للعراق مرتبطة بالعامل الخارجي؛ لسيطرة دول المنبع على مجرى نهري دجلة والفرات، وعليه فيمكن القول إنَّ مشكلة المياه في العراق مرتبطة بثلاث عوامل رئيسة، هي: الأول، عامل المناخ والتغيُّرات المناخية العالمية، ومشكلات الاحتباس الحراري وغيرها، والثاني، عامل محلي–داخلي مرتبط بسوء إدارة الموارد المائية، وسوء التخطيط الحكومي والمجتمعي؛ للحفاظ على الموارد المائية، والثالث عامل إقليمي (دول المنبع)؛ لأنَّ مصادر المياه العراقية خارج الحدود العراقية، وتتحكَّم بها دول أخرى، لا سيَّما تركيا وإيران، لذا فإنَّ المشكلة الكبرى هي مشكلة خارجية مع الدول المتحكمة في مجرى المياه، لا سيَّما مع تركيا.

لقراءة المزيد اضغط هنا