هيام علي المرهج –  قسم دراسات المرأة في مركز البيان 
تقديم
عادةً ما يدور الحديث عن أهمية قطاع النقل للاقتصاد القومي بوصفه ركيزةً أساسيةً في تطوُّر الاقتصاد، وتسهيل عملية التبادلات التجارية، وخصوصاً أنَّ الموقع الجغرافي للعراق يشكِّل رابطاً بين دول أوروبا وعديد من دول آسيا، والتي ترتبط مع بعضها بعضاً بتعاملات ونشاطات اقتصادية مهمة، إذ يمكن أن تُسْتَثمر لإنعاش الاقتصاد العراقي عبر تطوير قطاع النقل، ولكن نحاول في هذه الورقة أن نبحث في جانب مختلف تماماً، ويتعلَّق بتأثير قطاع النقل والمواصلات على الحياة الاجتماعية الداخلية في العراق، وعلى وجه الخصوص حياة النساء.
ولا يتعلق الأمر بالمواصلات كوسيلة للتنقل بقدر أنَّها تمثِّل عائقاً أمام النساء في ممارسة نشاطاتهن اليومية على يُسْرِها، ويجعل هذا من المرأة بحاجة دائمة للمساعدة لأداء متطلباتها الأساسية، لذا تهدف هذه الدراسة إلى لفت النظر نحو المشكلات التي تواجهها النساء بسبب المواصلات، والتي قد لا يعتقد صُنَّاعُ القرارِ وواضعو السياسيات بأهميتها، أو بمدى تأثيرها على شريحة واسعة من المجتمع التي تمثِّلها النساء.
 سعت هذه الدراسة إلى فهم مستوى الترابط بين خيارات النساء وواقعهنَّ، وبين وسائل النقل، فهي دراسة معتمدة على إجراء (10) مقابلات ميدانية مع عددٍ من النساء من مختلف المناطق في بغداد، ومختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الاعتماد على بعض البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية.
المواصلات في بغداد: مشكلات متراكمة وسياسات غائبة
 تفاقمت مشكلات النقل في بغداد في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة، ولعل أهمها أسبابٌ اجتماعية وسياسية، تأتي في مقدمتها ارتفاع نسبة السكان في العراق، وبالتحديد في بغداد بوصفها العاصمة التي تتركَّز فيها المؤسسات العامة والخاصة وفرص العمل، ومن ثَمَّ تشهد توافداً مستمراً للسكان من المدن الأخرى؛ ممَّا أسهم في توليد عديدٍ من المشكلات التي تفاعلت مع غياب سياسات النقل أو ضعفها.
تشهد العاصمة بغداد اختناقات مرورية على نحوٍ مستمر، وتحدث هذه الاختناقات فيما يسمى بـ«وقت الذروة»، وهو وقت ذهاب الموظفين والطلبة إلى أشغالهم، ووقت عودتهم كذلك، ويعود سببها إلى ضعف القدرة الاستيعابية للطرق، مع ارتفاع أعداد المركبات، وعدم وجود خطوط نقل عامة كافية وملائمة بين المناطق في بغداد.
مع أنَّ البيانات الحكومية مشيرةٌ إلى أنَّ عدد الحافلات العاملة التابعة لوزارة النقل بلغ (897) حافلة لسنة 2021، وحقَّقت إيرادات بلغت (13637) مليون دينار عراقي في عام 2021 وَفْق البيانات الرسمية، إلا أنَّ الواقع مشيرٌ إلى وجود نقص كبير في عدد وسائل النقل العامة داخل بغداد، ممَّا يدعو إلى إعادة النظر بعدد الباصات العامة، ومسارات عملها، ووضع الخطط والإستراتيجيات التي يمكن أن تطوِّر من منظومة النقل في بغداد.
تتزايد حوادث السير في بغداد، إذ أشارت آخر البيانات الحكومية لسنة 2021 إلى أنَّ عدد حوادث السير في العراق بلغت (10659(، وأنَّ (1145) حادث منها في بغداد فقط، وأنَّ (649) حادث كان بسبب الطرق، لتتفوق هذه الحوادث على ضحايا العمليات الإرهابية، وحالات العنف، والانتحار، بمعدَّل (22) حادثاً في اليوم، وتودي بحياة (6) أشخاص يومياً.
تفتقر المدينة -في سياق هذه المشكلات- إلى جسور خاصة بالمشاة، وإلى مسارات محددة للعبور، كما أنَّ حركة السير في أغلب مناطق بغداد لا تسير وَفْق إشارات المرور، بل تسير عشوائياً، وتنظَّم -بالعادة- من قبل رجل المرور. وتفتقر المدينة لاستحداث طرق جديدة، أو توسيع الطرق القديمة وصيانتها، لذا نجد تفاقمَ مشكلات النقل سنةً بعد أخرى.
مع تأثيرِ مشكلات قطاع النقل والمواصلات تأثيراً كبيراً على مجمل الحياة العامة في البلاد، إلا أنَّ النساء هم الحلقة الأكثر تأثراً، إذ تعاني النساء من قلَّة توفُّر وسائل النقل المناسبة لهنَّ، وتعرُّضهنَّ لظروف غير مريحة، ترتبط بالمواصلات، ممَّا يدفعهنَّ لمحاولة إيجاد البدائل، إلا أنَّ هذه البدائل ليست خياراً مثالياً لهنَّ.

لقراءة المزيد اضغط هنا