صدر عن مركز البيان للدراسات والتخطيط كتاب جديد حمل عنوان: “أطفـال داعش: إرث النــزاع وعتـمـة المستـقبل”.
وتناول الكتاب الذي ألّفه كل من الدكتور عدنان ياسين مصطفى، والدكتورة اسماء جميل رشيد، العوامل التنموية المسببة لنشوء الارهاب وانجرار المجتمعات الى العنف والتطرف، والاثار المترتبة على الاسرة والطفولة بهذا الصدد، بالاضافة الى المعاناة التي يواجهها الاطفال الذين تربوا في ظل اسر متهمة بالارهاب.
وجاء في مقدمة الكتاب الذي ألّفها علي عبدالهادي المعموري: “إنَّ نقطة البداية في تحليل هذه المشكلة ستكون الأسرة، وكبلد شرقي، تأخذ العائلة مكاناً مهماً في المجتمع العراقي، وهي أول نواقل القيم في عملية التنشئة -بوصفها العملية التي يُتناقل بمقتضاها القيم عبر الأجيال- ومن البديهي أنَّ أيَّ مشكلة تواجه البلد على المستوى العام سيكون لها انعكاسات على الركن الأول في المجتمع، وهي الأسرة.
وبالقدر الذي ترتبط فيه مشكلة أطفال داعش بالفكر المتطرف، فإنَّه تشكِّل حلقة من سلسلة طويلة من الانتكاسات التي مرَّت بها الأسرة العراقية، وانعكست سلباً على الفرد، منذ طفولته، وهو ينشأ في بيئة مضطربة.
تاريخ مضطرب
مع الاضطراب السياسي الذي رافق عمر الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها، فإنَّ هناك استقراراً نسبياً حافظ عليه المجتمع العراقي تمثَّل في تماسك الأسرة، وما يترتَّب على التماسك من قيم أخرى، مثل حفظ الجيرة، والعلاقات العشائرية المتواشجة، وفي غضون ذلك، ومع عدم الاستقرار الاقتصادي وتراوح البلد بين الفقر والصعود التنموي التدريجي في العقد الأخير من النظام الملكي، وصولاً إلى الفورات النفطية، فقد طوَّر المجتمع العراقي «ملزماً وظيفياً» تمثَّل بالتكاتف الاجتماعي لحصر آثار الفقر، وفي بؤرة ذلك التكاتف كانت الأسرة، فإذا مات الفرد قام محله أخوته، أو أخوة زوجته، يتكفلون بالأطفال تربية وتنشئة، في ظل قبول طبيعي للواجب الأسري، وامتثال للمسؤولية التي يضعها المجتمع على ذوي الميت تجاه أبنائه وزوجته.
تدريجياً، ومع دخول العراق دوامة الحروب العبثية، سواءً مع قتال الأكراد، وصولاً إلى الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاها من حروب وحصار وكوارث اقتصادية، بدأت الأسر تواجه مشاكل التفكك، تهشم الروابط المتينة التي كانت تضمن ديمومة عملية التنشئة، فالحروب بما تحمله من طابع الخوف من المجهول، وعدم الاستقرار، وغموض المستقبل، قادت إلى أن يعيد العراقي ترتيب أولوياته الأسرية، فإذا فقد شقيقه حياته في الحرب، سيفكر أنَّه قد يلحق به، وما لديه من فائض مالي فإنَّ أطفاله أولى به؛ لأنَّ الحرب مجهولة المآل، ولا يضمن أحد فيها حياته، وتفاقم الأمر إبَّان الحصار الاقتصادي على العراق، بما جعل الأسر تعيش في دوامة من الهموم الاقتصادية، فككت قدرتها على التكافل، وهشمت تباعاً القيم التي طالما سندت الاستقرار الاجتماعي.
ثم جاءت لحظة الصدمة عام 2003، والقتال الطائفي، لتظهر كل المشاكل التي عانتها الأجيال التي ولدت ونشأت في ظل الحروب والحصار، في ظل اضطراب سياسي، وصراع مكبوت حوَّل العراقيين إلى إثنيات تتحيَّن الفرصة للانفجار، والحقيقة أنَّ ربط العنف الذي انفجر بعد العام 2003 بعامل واحد، طائفي أو سياسي أو غيره لن يكون دقيقاً بالمطلق، بل هو -مرة أخرى- مزيج معقد من المشاكل المتشابكة، التي خلقت إنساناً عراقياً جاهزاً لممارسة العنف، ونقله كقيمة عبر عملية التنشئة إلى الأطفال.
يتطلَّب فهم ظاهرة داعش، وما خلفته من كوارث ومنها أطفال الخلافة، مقاربةً من ثلاثة مستويات، تفاعلت فيما بينها، وأنتجت لنا داعش، ببعدها الاجتماعي، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، ويمكن أن نتلمس معالم هذه الأبعاد الثلاثة في السطور الآتية.

لتحميل الكتاب بصيغة PDF