علاء الحمداني – باحث عراقي
مع أنَّ الصراع السياسي الذي شهدته الأشهر الماضية على منصبي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء مرتبط بالكرد والشيعة، إلا أنَّ القوى السنيَّة لم تكن بمنأى عن هذا الصراع، خصوصاً القوى التي كانت جزءاً من التحالف الثلاثي الذي تفكِّك بانسحاب التيار الصدري منه بعد خروج نواب التيار من مجلس النواب في حزيران الماضي.
قسَّمت الأشهر التي تلت الانتخابات المبكِّرة التي جرت في تشرين الأول 2021 السنَّةَ على معسكرين متناحرين، أولهما وأقواهما يُعرَف اليوم بتحالف «السيادة» الذي يتزعمه خميس الخنجر، ويُعدُّ رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أبرز قياداته، والمحتكمين بقراراته، أمَّا المعسكر الآخر الأقل عدَّة وعدداً فيتمثَّل بنواب تحالف «العزم» الذين انشقوا عن الخنجر، ورفضوا التحالف مع الحلبوسي، وأعلنوا خصومتهم معه، بل نافسوه على منصب رئيس البرلمان بعد أن رشَّحوا محمود المشهداني الذي أخفق في تولِّي المنصب.
ما يزال هذا الانقسام مستمراً حتى اليوم، ولم نشهد أي مبادرات للتقريب بين القوى السنيَّة المتخاصمة التي يُعدُّ أحدها الذي يقوده مثنى السامرائي حليفاً للإطار ما يمنحه حظوظاً في المشاركة بالحكومة المقبلة في حال مضى الإطار التنسيقي في تشكيلها بعد فك عقدة رئيس الجمهورية، كما لا يمكن تجاوز تحالف «الخنجر-الحلبوسي» الذي يمتلك ثقلاً برلمانياً، وسياسياً كبيراً يمثِّل رقماً صعباً في المعادلة السنيَّة.
ومع هذا الانقسام، إلا أنَّ الذي يجمع القوى السنيَّة هي البراغماتية التي تسعى عن طريقها أطراف تمثِّل محافظات شمالية وغربية لتوظيف الصراع السياسي الحاد الذي تشهده الساحة الشيعية؛ لخدمة مصالحها.
أولاً: السنَّة والعملية السياسية
لم يكن وقع التغيير الذي شهده العراق عام 2003 سهلاً على نسبة كبيرة من السنَّة الذين قرَّروا مقاطعة العملية السياسية بعد دعوات أطلقتها جهات سياسية ودينية أبرزها «هيئة علماء المسلمين» برئاسة حارث الضاري إلى عدم المشاركة في الانتخابات، والوظائف الحكومية؛ بسبب وجود الاحتلال. هذا ما كان معلناً إلا أنَّ الأمر يعود إلى وجود أسباب أخرى أبرزها عدم قبول عدد غير قليل من السنَّة بخسارة السلطة، والنفور الذي ولَّده النظام الدكتاتوري الذي كان يحكم العراق قبل عام 2003 من الأحزاب التي تسلمت السلطة بعد هذا التاريخ، فضلاً عن الانتشار المسلَّح لبعض الجماعات التي كانت تمنع المشاركة في أيسر الوظائف الحكومية.
إلا أنَّ هذا الحال لم يدم أكثر من عام ونصف العام تقريباً، بعدها قرَّر الحزب الإسلامي الذي يمثِّل الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق، وقرَّر خوض الانتخابات عارضاً نفسه الممثِّل الوحيد للسنة قبل أن تلتحق به قيادات سنيَّة أخرى، مثل صالح المطلك، وخلف العليان، وعدنان الدليمي.
في المقابل، كانت القوى الشيعية تنظر إلى الطرف السنِّي على أنَّه «الغائب الحاضر»، ولم تحرم القيادات السنيَّة من التمثيل في مجلس الحكم، وفي الوزارات في الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد انتخابات الجمعية الوطنية في 2005.
وتطوَّر الوعي السياسي للأحزاب السنيَّة تطوراً لافتاً في انتخابات 2010 التي شهدت فوز القائمة العراقية التي جمعت المرشحين السنة بالصدارة بعد حصولها على (91) مقعداً، متفوقة على ائتلاف دولة القانون الذي حصل على (89) مقعداً، مع أنَّه كان الحزب الحاكم، لكن هذا الفوز الذي لم يثمر عن تشكيل الحكومة لم يكن منتجاً، إذ سرعان ما تشتت القوى السنيَّة قبل انتخابات 2014 الذي أشَّرت تراجعاً واضحاً في شعبية الحزب الإسلامي، ومهَّدت لظهور قيادات سنيَّة أخرى، باتت مؤثِّرة في المشهد السني حتى اليوم مثل: الكرابلة، ومحمد الحلبوسي، وأحمد عبدالله الجبوري، ومثنى السامرائي، وخميس الخنجر.
وتمكَّنت القوى السنيَّة من الاحتفاظ بالمناصب التي أصبحت تمنح لها على سبيل العرف بعد كل انتخابات، وأبرزها رئيس مجلس النواب، فضلاً عن الحصول على ست وزارات، ومناصب مهمة أخرى.

لقراءة المزيد اضغط هنا