خالد هاشم – باحث في مجال العلاقات الدولية
ساهمت -في السنوات السابقة- عوامل عديدة في تراجع أهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية منها حالة الفوضى التي كرَّستها موجة «الربيع العربي» والتي نتج عنها حالة فراغ سارعت قوى إقليمية على استغلالها، ومنها تراجع أهمية النفط بعد حالة الاكتفاء الذاتي الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، فضلاً عن توجُّه الولايات المتحدة نحو منطقة جنوب شرق آسيا حيث المنافع والمنافسة الاقتصادية هناك مع التنين الصيني.
اليوم يشهد إقليم الشرق الأوسط اتجاهاً مغايراً لهذه التحولات، عنوانه الرئيس اضطرار الولايات المتحدة على مراجعة حساباتها وطبيعة علاقاتها والتزاماتها تجاه منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى تحت ضغط عوامل جديدة، أبرزها عودة النفط كسلعة لها تأثيرها العالمي، وخصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثَمَّ الأهمية النسبية للدول العربية المصدِّرة للنفط والطاقة. كما ساهمت عوامل أخرى في توفير البيئة الإيجابية لعودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، منها: امتلاك دول الشرق الأوسط زمام المبادرة والحضور مرة أخرى، وانتهاء الأزمة الخليجية وحالة المصالحة والرضا التي يشهدها الإقليم اليوم والتي انعكست في عرض مبادرة خليجية بشأن الأزمة اليمنية، وبدء مباحثات ما بين السعودية وإيران وبوساطة عراقية دفعت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى اغتنام الفرصة؛  لبناء علاقات متوازنة مع الإقليم، وعودة الاعتبار لروابط العروبة والتاريخ.
ساهمت هذه التحوُّلات في خلق فرص جديدة للتوازنات في الإقليم، وعودة الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، وتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقة مع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
نقطة التحوُّل في العلاقة مع الإقليم
في السابق، كانت صورة العلاقة التي تحكم دول منطقة الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، قائمة على أساس التزام أمريكي واضح وصريح بأمن دول الإقليم وسلامتها، وخصوصاً الدول الخليجية المصدِّرة للنفط، من دون تحميلها أعباء دفاعية، أو أمنية كبيرة، لكن صورة العلاقة في السنوات الأخيرة مع الحليف الأمريكي تحوُّل إلى حليف غير مكترث بطبيعة تلك العلاقة ولا باحتياجات تلك الدول الأمنية، بل تدهورت تلك العلاقة خصوصاً بعد تعرُّض تلك الدول إلى النقد الحاد على أوضاعها الداخلية، وهدَّدت دولة مثل المملكة العربية السعودية بجعلها «دولة منبوذة»، وعدم تقديم الدعم لها إزاء الهجمات التي تتعرَّض لها بالصواريخ والطائرات من دون طيار، بل وصل الأمر إلى سحب بطاريات صواريخ الباتريوت الأمريكية من أراضيها.
وهكذا يمكن القول، أصبحت صورة العلاقة التي تحكم الطرفين في السنوات الأخيرة غير مفهومة، ولم تعد المصالح بينهما متوائمة أو متقاربة، وراح كل طرف يتعامل مع الطرف الآخر بصورة مختلفة، لا بل دفع ذلك بعض دول الإقليم كدول الخليج العربي إلى التفكير في تطوير فكرة «دورها» من فكرة بناء الكيان الداخلي وترسيخها إلى فكرة النهوض بدور إقليمي لا بل حتى دولي، والذي أخذ أحياناً منحى متمايز عن الدور الأمريكي والذي انعكس بدوره على خريطة التفاعلات مع الأزمات في المنطقة.
ووصل الأمر إلى حالة من العدائية طبعت خطاب السياسة الخارجية الأمريكية إزاء بعض دول الإقليم، وهي عدائية الخطاب الأيدلوجية والسياسي وليس عدائية الأفعال فقط. فعلى سبيل المثال مثَّلت الخصوصية لدول الخليج العربي الأساس الذي بنيت عليه علاقتها مع كل من الأصدقاء والحلفاء وكانت الولايات المتحدة على مدى تاريخ العلاقة مع دول الخليج الأكثر فهماً لتلك الخصوصية الخليجية وطبيعة أنظمتها، ولذا لم يكن مرحباً به ما شهدته السنوات الأخيرة من خطاب أمريكي تعمُّد عدم احترام أسس العلاقات وخصوصية الأنظمة الخليجية. فلم يكن الرئيس باراك أوباما جاداً في تعامله مع قضايا المنطقة، وعمل دونالد ترامب على استخدام لغة خطاب فظٍّ وغير دبلوماسي مع تلك الدول، وفضَّل علاقة شخصية على علاقة بروتكولية، وعلى النقيض من ترامب، فضَّل جو بايدن التعامل مع دول تلك المنطقة بعقلية رئيسه الأسبق أوباما، مفضلاً العودة للاتفاق النووي مع إيران على حساب رغبات الدول الخليجية، ولم يبدِ أي نية لعودة العلاقات الأمنية والدفاعية مع دول الخليج، مفضلاً الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط، والتوجُّه نحو الصين وآسيا، ولم يلتفت إلى طلبات حلفاء أمريكا في المنطقة بل توعَّد وأنذر بعض زعماء تلك الدول قبل أن يتولى الرئاسة وعلى رأسهم ولي العهد السعودي محمَّد بن سلمان.

لقراءة المزيد اضغط هنا