محمد كريم الخاقاني- أكاديمي وباحث في الشأن السياسي
تُعدُّ ظاهرة تجنيد الأطفال من الظواهر التي تستحق الوقوف عندها، لأنَّها تمثِّل انتهاكاً صارخاً لحقوق تلك الشريحة من المجتمع؛ لخطورة استخدامهم في التأثير على الخصوم أثناء القتال، إذ تلجأ الجماعات الإرهابية الى استخدام الأطفال في الحروب بصورة غير أخلاقية وغير إنسانية، فضلاً عن الأخطار الناجمة عن اللجوء إلى وسائل العنف والقسوة؛ عبر التأثير في سلوكيات الجيل الجديد للمجتمع.
فالطفل وَفْقاً لما عرَّفته منظمة الأمم المتحدة، هو كلُّ كائنٍ بشريٍّ لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبَّق عليه (1)، ويُقصدُ بالتجنيد اسم، ومصدره (جَنَّدَ)، أي: أعلن عن تجنيد الجنود الاحتياطيين، ومن ثَمَّ جمعهم لمواجهة حرب أو كارثة، و(جَنَّدَ) فعل، أي: بمعنى يجنِّد تجنيداً فهو مُجنِّد، أي: جند الجنود، أي: صيَّرهم جنوداً، وهيَّأهم لذلك العمل(2).
والتجنيد له مفهوم أوسع في المجالات التطبيقية في أغلب دول العالم التي عانت من ويلات النزاعات المسلحة، وذلك عبر تجميع المواطنين وتحشيدهم واستقطابهم، أي: بمعنًى آخر العمل على استخدام الناس استخداماً قسرياً؛ بهدف الانضمام والالتحاق بالمجموعات الإرهابية/ بغض النظر عن طبيعة الأهداف التي تؤمن بها تلك المجموعات، وذلك عن طريق إعدادهم وتدريبهم مادياً ومعنوياً (3).
والطفل المجند هو أيُّ شخصٍ لم يبلغ الثامنة عشر عاماً، ويكون عضواً في قوة مسلحة أو مجموعة مسلحة نظامية أم غير نظامية ويقوم بمهام قتالية أو غيرها مثل: الطباخ، والحمال، والمراسل، وغيرها من الخدمات، وكل مَن يرافق مجموعات لا تُعدُّ ضمن أفراد أسرته، ويضم كذلك الفتيات اللائي يُوظَّفْنَ لأغراض جنسية، والزواج القسري منهنَّ(4).
وينتشر التجنيد الإجباري لفئة الأطفال ضمن المجموعات المسلحة في النزاعات الداخلية، وكذلك في المناطق التي تشهد ارتفاعاً في جرائم الاختطاف، ويُجنَّد الأطفال بقصد تعويض المقاتلين في المعارك؛ نتيجة الهزائم المتكرِّرة للمجموعات الإرهابية، وهذا يعني تشكيل مقاتلين جدد في الحروب، واستخدامهم في العمليات العسكرية وهو ما يعطي نتائج أسرع، وتكون ذات تأثير كبير جداً(5).
ومن هنا أصبحت ظاهرة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة شائعة في المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي بحقوق تلك الشريحة، وهو ما تعاني منه المجتمعات التي انخرطت في صراعات داخلية فيما بينها، إذ تُعدُّ رؤية الأطفال في المعارك والزج بهم في أتونها، مشهداً طبيعياً لإدامة أمدها، وتحت مسميات كثيرة كما حدث في عراق ما قبل عام 2003، فاتخذت أسماء الطلائع، وأشبال صدام، وأشبال يوم النخوة وغيرها من المسميات التي أُطْلِقت عليها(6).
ويمكن القول إنَّ إستراتيجية المجموعات الإرهابية ومنها تنظيم داعش الإرهابي في تجنيد الأطفال وزجِّهم في المعارك تعويضاً عن الخسائر في المقاتلين الذين قُتِلوا في المعارك، غير واضحة ومعلومة بصورة دقيقة، ولكن يمكن الاستدلال على بعض مؤشرات تلك الإستراتيجية عبر تحليل الأوضاع التي تناولتها وسائل الإعلام عبر الضحايا أنفسهم أو عن طريق ذويهم، ففي الغالب ينحدر هؤلاء الأطفال من بيئة  فقيرة، أو تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة، فضلاً عن تدني مستويات معيشتها ومن ثَمَّ يكون الأطفال -وفي ظل تلك المعطيات والواقع الاجتماعي المزري الذي يعيشون فيه- صيداً سهلاً، ومن ثَمَّ يكونون بيئة خصبة ومناسبة للجماعات الإرهابية؛ لغرض الالتحاق بصفوفهم، إذ يشكلون القوة العاملة لديهم، فيُسْتَغلُّون في أعمال لا تتناسب مطلقاً وبنيتهم الجسمانية وقابلياتهم، ومن تلك الأعمال والخدمات التي يُكلَّفونَ بها أثناء المعارك من المراسلين والحراس وغيرها من الأعمال التي تتطلَّب شروطاً ومواصفات لا يتمتَّع بهم هؤلاء الأطفال، وكذلك اشتراكهم في المعارك اشتراكاً فعلياً(7).
وكان مجلس الأمن قد أصدر قراره (1612) في عام 2005(8)، والخاص بتشكيل فريق من (15) عضواً يمثِّلون الأعضاء الدائمين والأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس وَفْقاً لآلية جديدة تتضمن استعراض تقرير آلية الرصد والإبلاغ، إذ تعالج تلك الآلية الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب ضد الأطفال في حالات الصراع المسلح، ولا سيَّما النزاعات الداخلية، ومن أبرز ما تعالجه تلك الآلية(9):
قتل الأطفال أو تشويههم.
تجنيد الأطفال واستخدامهم بوصفهم جنوداً في المعارك عبر الزج بهم فيها.
مهاجمة المدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الحيوية.
اختطاف الأطفال وقطع المساعدات عنهم.
وقد أصدر مجلس الأمن عديداً من القرارات المتعلقة بتلك الحالة، ومنها القرار (2170) في 14/8/2014(10)، وبإجماع أعضائه الخمسة عشر، واستناداً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والخاص بالأعمال التي تُتَخذ في حالات السلم والأمن الدوليين والإخلال به، ووقوع العدوان، وكذلك استنكاره الشديد للاستخدام غير القانوني لتجنيد الأطفال في مناطق تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية(11).

لقراءة المزيد اضغط هنا