أطلق السيد مقتدى الصدر خطاباً في 15-5-2022 بانت فيه ملامح فشل محاولة تشكيل حكومة الأغلبية. المشروع الصدري الذي يشاركه فيه تحالف (السيادة) من المكوِّن السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني من المكوِّن (الكردي).
إذ قال السيد الصدر في خطابه المتلفز: (والله لم أستغرب قيد أنملة من الثلث المعطِّل، وتعطيله لتشكيل حكومة الأغلبية فالمنتمون له لا وجودَ لهم بِلا سلطة).
جاء ذلك بعد يوم واحد من إصدار المحكمة الاتحادية قراراً يلغي فيه (قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية) بدعوى أنَّ حكومة تصريف الأعمال هي حكومة متحوِّلة من حكومة بكامل الصلاحيات إلى حكومة محدودة الصلاحيات، وبحكم الحكومة المستقيلة، وهي المستثناة من الأصل، وهو ممارسة صلاحياتها كافة، ولها رخصة التصرُّف في كلِّ ما يندرج تحت مقتضيات ديمومة الدولة واستمراريتها، أي: عدم أهلية حكومة تصريف الأعمال لإرسال أيِّ مشروعٍ أو قانونٍ أو موازنة. عوَّلَ الصدريُّون وحلفاؤهم على هذا القانون، وربَّما يكمن وراء الإصرار على تمريره رسالةً مفادها أنَّ حكومة الأغلبية سائرة في السيطرة على القرارات التشريعية، وبتخصيص مالي للحكومة التنفيذية، فجاء رد المحكمة الاتحادية بالقرار نفسه القائل بـ: «يُعدُّ مجلس الوزراء مستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية التي تتضمَّن اتخاذ القرارات والإجراءات التي من شأنها استمرار عمل سير المرافق العامة.،ولا يدخل ضمنها اقتراح مشاريع القوانين، وعقد القروض، أو التعين في المناصب العليا في الدولة، والإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر».
فكان القرار معطِّلاً للطريق الأخير الذي يهدِّد به أصحاب مشروع الأغلبية في مواجهة تأخير التشكيل؛ بسبب الحاجة للثلثين من النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، والذي تعرقل لعدم حصوله العدد المطلوب، فمن الممكن أن يكون البديل بإبقاء الحكومة الحالية مدعومة من الصدريين وحلفائهم، ويتوفر لها غطاء مالي، مع إمكانية تغيير عدد من الوزارات عن طريق الاستجواب. إلا أنَّ قرار المحكمة يبيِّن بعدم إمكانية محاسبة أعضاء الحكومة الحالية أو إقالتهم؛ لعدم تشكيلها من قبل مجلس النواب الحالي.
تواجه حكومة الأغلبية (بنموذجها المعروض) تحدياتٍ وأسئلة كبيرة، ولعلَّ من أهمِّها أنَّها تمثِّل صدمةً للذين تعارفوا على تشكيل الحكومات المتعاقبة بغض النظر عن وجودهم البرلماني، فكان الوجود السياسي هو الأهم في التشكيل. بل ما الذي دفع المطالبين بها الآن بعد (19) عاماً من توافق هم كانوا جزءاً منه؟
فهي تواجه سؤالاً جوهرياً في إمكانية تخطيها الحديث عن المكوِّنات، وتمثيلهم في السلطة.
وهل ما معروض اليوم هي الأغلبية بمعناها السياسي أم هل أنَّها أغلبية بطعم توافق مكوِّناتي؟ لأنَّ الأغلبية في الحديث الديمقراطي هي عددية ولا شأن لها بالتوزيع المكوناتي.
إذ إنَّ الأغلبية السياسية -بالمعنى السياسي- هو حصول حزب أو تحالف سياسي على العدد الأكبر من الأصوات المعبَّر عنها مقارنة بمنافسيه كلٌّ على حِدَة، وفي هذه الحالة نتحدث عن أغلبية نسبية أو يسيرة.
والأغلبية المطلقة في النظام البرلماني هو حصول حزب أو تحالف سياسي على امتياز تشكيل الحكومة منفرداً، من دون الحاجة إلى عقد تحالفات عادة ما تُملي بعض التنازلات التي قد تكون لها آثار مدمرة على المدى المتوسط والبعيد.
غير أنَّ تفسير المحكمة الاتحادية للمادة الدستورية (76) من الدستور عام 2010 بأنَّ الكتلة الكبرى هي التي تتشكَّل داخل البرلمان، وليس بالضرورة الفائزة في الانتخابات. وتفسيرها عام 2022 بأنَّ انتخاب رئيس الجمهورية يتطلَّب نصاب الثلثين من أعضاء مجلس النواب، وليس من الحاضرين، ممَّا جعل من إمكانية حصول الأغلبية بأريحية شيء من الخيال.  فالفوائد المترتبة على وجود الأغلبية بعدم وجود التنازلات التي يمليها عقد التحالفات ما زالت موجودة، مع الكلام عن أغلبية.
ممَّا يمكن عدَّها صداً قوياً أمام نجاح الأغلبية المرادة التي تريد الابتعاد عن المحاصصة. ولم يكن هاذان التفسيران هما السبب الوحيد نحو وجود تحالفات تتطلب تنازلات، فما يسمَّى بـ(التوازن المكوِّناتي) هو عُرْفٌ لا يمكن تجاوزه، بل لم يستطع حتى المروِّجين للأغلبية أن يتجاوزوه لضغوط داخلية تذكر بسياق عدد من الأحداث، والخوف المستمر للأطراف المختلفة من التهميش المكوِّناتي.

لقراءة المزيد اضغط هنا