مقدمة
شهدتِ الساحة السياسية السنية تطوُّرات متسارعة في الأسابيع الماضية بعد عودة المطلوبين السابقين للقضاء (رافع العيساويّ، وعلي حاتم السليمان) إلى محافظة الأنبار؛ في خطوة فُهِمَت على أنَّها محاولة لتحجيم دور رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسيّ الذي تمكَّن من احتواء أغلب منافسيه في الأنبار وسائر المناطق السنية ضمن تحالف السيادة -الذي يتزعَّمه خميس الخنجر-.
لم تدُم نشوة الحلبوسيّ بالولاية الثانية، وتصدُّر المشهد السياسي السني طويلاً بعد دخول شخصيتين؛ إحداهما ذات بعد عشائري عميق مثل علي السليمان -الذي يُعدُّ من أمراء الدليم-، والأخرى التي تمتلك شبكة علاقات واسعة داخلية وخارجية، فضلاً عن امتدادها العشائري في مدينة الفلوجة ومحيطها؛ هو الوزير السابق رافع العيساويّ.
لن يقتصرَ تأثير عودة سياسيين إلى المشهد السني على الأنبار وحدها، بل إنَّه قد يكون كفيلاً برسم الخريطة السياسية في المناطق السنية التي بدأت تشهد في الآونة الأخيرة استقطاب واضح بين أنصار الحلبوسي وخصومه.
أولاً: الموقف من العملية السياسية.
قبل الخوض في تفاصل الصراع الحالي لا بدَّ من العودة إلى بدايات المشاركة السنية في العملية السياسية بعد 2003، إذ لم تكن أغلب القوى السنية راغبة بالمشاركة؛ لأنَّها اعتقدت بفقدانها السلطة، وأنَّ أيَّ مكاسب مهما كان حجمه لن يعوِّضَها عمَّا خسرته من سطوة ونفوذ وقدرة على إدارة الدولة.
وقرَّر السنة مقاطعة أول انتخابات شهدتها البلاد في 30 كانون الثاني 2005، ونتيجة لذلك كانت نسبة المشاركة في الأنبار (4%)، وفي نينوى أقل من (10%)، ودفع امتناع نحو ستة ملايين ناخب في المناطق السنية عن التصويت إلى الاعتقاد بوجود مسببات ودوافع تتطلَّب بحث السلبيات والإيجابيات وراء هذا الامتناع؛ لأنَّ امتناعهم كان ممارسة لحق التصويت -هو حق وليس واجب-، إلا أنَّ تلك المقاطعة التي أخذت طابعاً طائفياً لم تحقِّق النتائج التي كان المقاطعون يرجونها، بل على العكس ضخَّمت من نتائج المكونات التي أراد المقاطعون إضعافها المتمثلة بالشيعة والكرد، وأدَّتِ التهديدات، وأساليب الترهيب التي أطلقتها بعض الجهات ضد الانتخابات إلى نتائج عكسية. ومع ذلك؛ إلا أنَّ الشيعة والأكراد تحدُّوا دعوات المقاطعة تلك، وصوَّتوا لصالح قوائم مرشحيهم، في حين خسر السنة التمثيل الذي يناسبهم في السلطة التشريعية.
شعر السنة بالندم بعد الانتخابات، وأيقنوا أنَّ المقاطعة لم تكن خياراً صحيحاً، ما دفعهم للمشاركة في الانتخابات التي جرت في 15 كانون الأول 2005 ضمن جبهة التوافق التي شكَّلها الحزب الإسلامي العراقي، وحصلت على (37) مقعداً، وجبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلك الذي حصل على (9) مقاعد.
وشهدت الانتخابات التي جرت نهاية 2005 زيادة (25%) في نسبة المشاركة عن سابقتها؛ ويعود سبب ذلك إلى مشاركة السنة في الانتخابات؛ بعد أن أدركوا الخطأ الذي وقعوا فيه حين قاطعوا العملية الانتخابية السابقة.
وبعد أن وصلت القوى السنية إلى حقيقة مفادها أنَّ مشاركتها بالمسميات الطائفية الضيقة ستبقيها ضعيفة قرَّرتِ التحالف مع إياد علاوي ضمن «القائمة العراقية» في انتخابات برلمان 2010، والتي حصدت المرتبة الأولى بـ(91) مقعداً، إلا أنَّ هذه القائمة تفتتت، وخسرت قيادات بارزة في الوسط السني بين عامي 2012 و2014 ليرثَ (الكرابلة) حصة السنة في الحكومة والبرلمان؛ ليزجُّوا بـ»محمد الحلبوسي» محافظاً للأنبار، ثم رئيساً للبرلمان للدورة الأولى في 2018، قبل أن يشكِّل الحلبوسي حزبَ «تقدُّم»؛ الذي تحوَّل إلى تحالف واسع، اكتسح المناطق السنية في انتخابات 2021، وجاء ثانياً على مستوى العراق من حيث عدد المقاعد بحصوله على (37) مقعداً، ومع حصله على هذا العدد؛ إلا أنَّه لم يجد هذا كافياً؛ ما دفعه لتشكيل تحالف أوسع سُمِّيَ بتحالف «السيادة»؛ والذي ضمَّ تحالف «عزم» برئاسة خميس الخنجر الذي تولَّى رئاسة تحالف السيادة.

لقراءة المزيد اضغط هنا