عماد الشيخ داود/ أستاذ السياسات العامة والنظم السياسية في كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين

يؤكِّد الفريق العلمي الذي تولى إعداد آخر التحذيرات الأممية بشأن قضية التغيُّر المناخي بأنَّ الأشخاص والنظم الأيكولوجية الأقل قدرة على التكيُّف هم الأكثر تضرراً من ظاهرة الاحتباس الحراري ونتائجها الوخيمة، ما حمل رئيس الهيئة (هوسانك لي) للإعلان صراحةً على أنَّ مضامين تقرير شباط\2022 هي بمنزلة تحدير مشدَّد بشأن عواقب عدم الاستجابة لتخفيض الانبعاثات التي باتت تشكِّل تهديداً خطيراً لرفاهية الناس وصحة الكوكب برمتهِ، وبأنَّ الإجراءات الوقائية وحدها ستصيغ تحديد الكيفية التي سيتكيَّف بها البشر مع تزايد مخاطر المناخ وكيفية الاستجابة الطبيعة.

ممَّا يجعل من التغيُّر المناخي أحد ألدِّ أعداء تمتُّع الناس بمتضمنات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والأعمال الناجز لأهداف التنمية المستدامة (2015-2030) المعروفة بـ (SDGs)

فعلى مدى العقدين المقبلين ستواجه الإنسانية الأخطار المناخية المتعدِّدة التي سيصعب تفاديها في ظل الاحترار بمقدار (1.5) درجة مئوية.. الذي حتى وإن كان مؤقتاً فسيكون العمل على إزالة آثاره من أصعب ما يواجهه الجهد الإنساني للحفاظ على ديمومة الحياة جرَّاء الضغط الذي سيشكِّله على (المجتمعات) و (بنيتها الأساسية) و (مستوطناتها الساحلية المنخفظة) عبر حزمة من التهديدات: (الصحية، وتلوُّث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية شديدة الوطأة، والتهجير القسري، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن الصحة العقلية).

ولذا، يؤكِّد التقرير على أهمية الإجراءات العاجلة كضرورة حتمية لمواجهة المخاطر المتزايدة، التي في مقدِّمتها استنشاق ما يقارب 90% من البشر للهواء الملوَّث بمستويات متفاوتة ناجمة عن مخلفات الوقود الأحفوري، والتسرُّب النووي، التي تقدَّر تكلفتها الصحية اليومية قرابة (8) مليار دولار لليوم الواحد، وتتجاوز قوَّة تحمُّل الإنسان والنبات والحيوان موجات الحر والجفاف والفيضانات والزلزال واندثار كثير من الشُّعَب المرجانية.

إذ يقدِّر التقرير عدد الأفراد الذين يقطنون في مناطق جغرافية شديدة المعاناة من التغيير المناخي بـ(3.5) مليار نسمة، موزعين على الأمريكيتين وآسيا وإفريقيا.. بل وحتى القطبين.

ومع إشارة تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى الفوائد الصحية التي يمكن تحقيقها عن طريق الحد من الانبعاثات الكربونية ستكون ضعف التكلفة الدولية لسياسات الحد المذكورة، إلَّا أنَّ النظم الصحية في أغلب أرجاء العالم غير قادرة على التعامل مع التهديدات التي تولِّدها تلك الانبعاثات، خصوصاً مع خروج كثيرٍ منها عن إمكانية خدمة جمهورها؛ بسبب الآثار السلبية لجائحة «كورونا» ومتحوراته، وعزوف الكثير من سكان البسيطة عن التطعيم متعلِّلين بحجج واهية غير منطقية ممَّا زاد الأمر سوءاً في المضمار الصحي، ولذا يُشير التقرير إلى أنَّ التقدُّم المحرَز حتى الآن غير منتظم، وهناك فجوة تزداد اتساعاً بين الإجراءات المتخذة للتخفيف من أعباء الظاهرة، وبين معاناة الفقراء في آثارها.

لذا، يُشيرُ (لي) إلى أنَّ تقريره جاء بين (المناخ) والتنوُّع البايلوجي، والأشخاص، وبدمج العلوم الطبيعية، والاجتماعية، والاقتصادية، إذ لم يَعُد (على حد قوله) لأنصاف التدابير أن تُعدَّ خياراً صائباً للخروج من الأزمة المتفاقمة.. التي وجد التقرير بأنَّه من أنجح الوسائل للحد من أخطارها يأتي ما وراء الارتكاز على إمكانيات الطبيعية؛ لتحسين حياة الناس عن طريق جملة من الرؤى، يمكن تلخيصها في محاور هي:

أولاً: محاولة استعادة النظم الايكولوجية المتدهورة والحفاظ على 20-50% من موائل الأرض والمياه العذبة التي يُشير أحد تقارير منظمة التغذية والزراعة الدولية (FAO) إلى إمكانية الحصول عليها عن طريق التحكُّم في تعرية الأراضي، وإدارة المراعي، والتحسينات الجينية لتحمُّل الحرارة والجفاف، والتقليل من صناعة الأغذية وهدرها التي تولد ثلث الانبعاثات من غازات الدفيئة وَفْق تقديرات الأمم المتحدة، يضاف اليها الاهتمام بمبادرات الزراعة الذكية (التي تستخدم أقل مساحة من الأرض والمياه للحصول عن أفضل إنتاج)، حين تُحدَّد الحلول وَفْق السياق من حيث المكان والزمان، والقدرة الفائقة على إدارة دورات السياسات العامة والتنسيق المتوازن بين القطاعات، مثل: (الزراعية، الطاقة، المالية، النقل.. إلخ)، فضلاً عن أهمية بناء القدرات في البلدان الاشد فقراً والتي تعاني من الظاهرة، بغية تحقيق التناغم في الوفرة الغذائية عن طريق إنتاج (المحاصيل الزراعية، والماشية، والأحراج، ومصائد الأسماك) المستدامة عبر الاستفادة من الموارد المتاحة في مجال تحسين السلالات النباتية، والإنتاج الحيواني، ومكافحة الآفات الحشرية، وزيادة الإنتاج من دون استنزاف للموارد باستخدام نظام زراعة حيوية.

لقراءة المزيد اضغط هنا