د. لجين مصطفى إسماعيل/ وزارة التخطيط
ملخص تنفيذي:
يعكس واقع الاقتصاد العراقي منذ سنوات عديدة سابقة شدَّة اعتماده على ريعه النفطي ممَّا سبَّب مشكلات متفاقمة، فضلاً عمَّا طرأ  عليه من  ضغوطات عدة ناتجة عن الأزمات المالية والاقتصادية المركَّبة، جرَّاء انخفاض أسعار النفط، وما شهده العالم أيضاً من آثار مدمِّرة، وانحسار اقتصادي حاد، إبَّان الإغلاق الكلي المفروض عالمياً بسبب انتشار جائحة كورونا؛ الأمر الذي أفرز مجموعةً من الضغوطات التي أدَّت إلى ضرورة الإسراع بإيجاد حلول إصلاحية جذرية.
تسعى ورقة الإصلاح البيضاء إلى وضع الاقتصاد والموازنة على مسار مستدام، يعمل على وضع خارطة طريق على مسار الاقتصاد الصحيح للعراق، وبمدى متوسط بين 3-5 أعوام، ويُعدُّ ذلك الهدف الإستراتيجي القائم، والذي تعمل عليه المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في إعداد استجابات بأطر عمل تسهم في تنفيذ ما خُطِّطَ له من إصلاحات اقتصادية.
تشارك المنظمات الدولية بدور تنموي يُسْهِمُ في دعم ورقة الإصلاح العراقية البيضاء، إذ يُعدُّ الدور الإغاثي والإنساني والتنموي أقل عرضة للتجاذبات والاختلافات من الدور السياسي والأمني المثير للشكوك والتساؤلات في كثير من الأحيان، إذ تعمل على تعبئة الموارد التمويلية والمساعدات الفنية دعماً للجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لاستعادة ثقة مواطنيها عن طريق تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحوكمة لمساندة الإصلاحات الاقتصادية، وتدعيم ركائزالاقتصاد العراقي على المدى الطويل.
وضع العراق الاقتصادي في ظلِّ الأزمات المركَّبة:
 يُعدُّ تشخيص المشكلة الاقتصادية الخطوة الأولى والناجعة، إذاما أُريدَ وضع الحلول اللازمة لتحقيق الإصلاح المالي، وتحسين أداء المؤسسات الماليةعن طريق وضع برنامج إصلاح اقتصادي متوازن، إذ يعاني العراق من ضغوطات عدة ناتجة عن الأزمات المالية والاقتصادية جرَّاء انخفاض أسعار النفط وما شهده العالم أيضاً من آثار مدمرة وانحسار اقتصادي حاد إبَّان الإغلاق الكلي المفروض عالمياً جرَّاء انتشار جائحة «كورونا». ويُعدُّ العراق من أكثر البلدان اعتماداً على النفط في العالم فيما يخص تمويل نفقاته، وعلى مدار العقد الماضي شكلت عائدات النفط أكثر من 99% من صادراته، و85% من موازنته الحكومية، و42% من إجمالي ناتجه المحلي، وهذا من شأنه أن يعمل على جعل البلاد في مواجهة مستمرة لتقلبات الاقتصاد الكلي، وحتى كانون الثاني 2021، كان معدل البطالة في العراق الذي يبلغ تعداد سكانه 40.2 مليون نسمة أعلى بأكثر من 10 نقط مئوية عن مستواه المسجل قبل تفشي الجائحة والذي بلغ 12.7%.
يُشكِّل اعتماد العراق على النفط بمستوى أعلى بكثير من نظرائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نقطةَ ضعفٍ شديدة أمام التحركات المعاكسة في أسعار النفط، كما يتضح من تأثير تغير دولار واحد في سعر النفط على الإيرادات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي كما ورد في ورقة الإصلاح البيضاء، وعليه، ومن أجل النهوض بواقع الاقتصاد العراقي وتنمية قدراته، تشكل تنمية القدرات الإنتاجية في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية وغيرها العامل الأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي، عن طريق تعبئة الموارد المحلية من أجل تمويل النشاط الاقتصادي وعدم الاعتماد على المعونات أو المساعدات الخارجية، والعمل على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تدعم عملية التنمية، وبذلك سيكون بمقدور العراق أن ينافس في الأسواق الدولية للسلع والخدمات التي تتجاوز نطاق السلع الأولية، والتي لا تعتمد على توفر أفضليات خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى الأسواق.
ومع ذلك، يشهد الاقتصاد العراقي تعافياً تدريجياً من صدمتي تراجع أسعار النفط وتفشِّي فيروس «كورونا» في عام 2020، ففي النصف الأول من عام 2021، حقَّق إجمالي الناتج المحلي نمواً بنسبة 0.9% (على أساس سنوي). ونما الاقتصاد غير النفطي بأكثر من 21% في النصف الأول من عام 2021 (على أساس سنوي) بفضل الأداء الناجع في قطاعات الخدمات.
يكون الانتقال من المستوى الحالي المتدني الإنتاجية والمتدني الدخل إلى مستوى إنتاجية ودخل عاليين عبر معالجة العوامل التي أدَّت إلى تدني إنتاجية العمل في العراق، والتي سجَّلت في عام 2018 أقل من نصف ما كانت عليه في سبعينات القرن الماضي بسبب هيمنة القطاع العام غير المنتج، فضلاً عن التراجع الحاصل في قطاع السلع القابلة للتداول، والآثار السلبية لسعر الصرف غير التنافسي للدينار العراقي، خصوصاً مقابل أسعار صرف عملات شركاء العراق التجاريين على قطاعي الزراعة والصناعة في العراق على مدى العقود الماضية. ولا بد لنا أن نؤكِّد هنا ما جاء في (الورقة البيضاء)، من أنَّ هناك حاجة مماثلة للتركيز على طبيعة القطاع الخاص والمؤسسات التي يكون في إطارها تنظيم مشاريع القطاع الخاص، ومن هذا المنظور، يعاني العراق من ضعف مؤسسي خطير واضح، فلدى النظم المالية المحلية احتياطات سائلة كبيرة، إذ يتوفَّر فائض مالي ورصيد نقدي لاحتياط البنك المركزي العراقي، ولكن مستوى الائتمانات المقدمة إلى القطاع الخاص وإلى المشاريع الضعيف نسبياً، وغير قادر على تعزيز القدرات الإنتاجية للاقتصاد العراقي.
تشوب الآفاق الاقتصادية للعراق مخاطر سلبية كبيرة تتطلَّب الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتشمل هذه المخاطر: احتمال انخفاض أسعار النفط، وتفاقم أزمة فيروس «كورونا» بسبب انتشار المتحورات الجديدة، واحتمال تدهور الأوضاع الأمنية، وزيادة حِدَّة صدمات تغيُّر المناخ، وحدوث مزيد من التقلبات في الاقتصاد الكلي، ويتوقف تجنُّب تأثير مخاطر التطورات السلبية أو التخفيف منها على سياسات الحكومة المستقبلية والالتزام بإجراء إصلاحات شاملة تتماشى مع ما ورد في الورقة البيضاء التي تمثِّل برنامج الحكومة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي في البلاد.

لقراءة المزيد اضغط هنا