رود كومبانس/ مدير الأبحاث في مركز برلين للعلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة هومبولت
إن لم ينظر المرء إلى ما يحدث خلف المنتجعات والشواطئ التي تغطيها النخيل، فلن يكتشف المرء فرقاً كبيراً بين «جزر موريشيوس» و «جزر المالديف»، وهما دولتان من الجزر الاستوائية في المياه الدافئة للمحيط الهندي. يبلغ عدد سكان «موريشيوس» (1.2) مليون نسمة، في حين يبلغ عدد جزر المالديف خمسمائة ألف، وكلاهما كانتا مستعمرتان. كانت موريشيوس فرنسية حتى عام 1810 وبعد ذلك أصبحت بريطانية. ظلت جزر المالديف لمدَّة طويلة سلطنة مستقلة، ولكن في عام 1887 أُدْرِجَت تحت وصاية الإمبراطورية البريطانية. استقلت جزر المالديف في عام 1965، و»موريشيوس» في عام 1968. لا تتمتَّع أيٌّ من الدولتين بموارد طبيعية مثل: (النفط، أو الغاز، أو الخامات، أو المعادن النادرة) وهما يعتمدان اعتماداً أساسياً على السياحة في تحقيق عائداتهما من العملات الأجنبية. وصيد الأسماك هو مصدر دخل لجزر المالديف، ومثله زراعة قصب السكر وإنتاج المنسوجات والخدمات المالية لـ»موريشيوس». كما أنَّ الدولتين متشابهتانِ من حيث مستويات الازدهار: فقد بلغ الناتج القومي الإجمالي للفرد في عام 2015 (9,446) دولار أمريكي في جزر المالديف و (9,041) دولار أمريكي في «موريشيوس».
لكنِ المشهد الخارجي الذي تغطيه أشجار النخيل المتمايلة يخفي عالماً من الاختلاف بين البلدين من حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان. منذ الاستقلال، كانت «موريشيوس» مثالاً يحتذى به في الاستقرار السياسي، إذ تناوبتِ الإدارات الديمقراطية المتعاقبة. وغالبية السكان من الهندوس، ولكن ِالأقليات المسيحية والمسلمة في الغالب يمكنها ممارسة عقيدتها بحرية. إلى جانب الأعياد الهندوسية، فإنَّ أعياد الميلاد وعيد الأضحى الإسلامي هما أعياد رسمية كذلك. كان ثلاثة من رؤساء البلاد مسلمين، بما في ذلك، الكيميائية «أمينة غريب فقيم» (2015 إلى 2018)، أول رئيس من النساء للبلاد. على النقيض من ذلك، لم تترسَّخِ الديمقراطية أبداً في جزر المالديف. بعد الاستقلال، سارت الأمور بطريقة جيدة، وصمدت الديمقراطية لبضع سنوات. لكن من عام 1978 إلى عام 2008، حكم البلاد الرئيس نفسه وهو «مأمون عبدالقيوم»، إذ كان يفوز في انتخابات لم يشارك فيها مرشحين معارضين. نشأ قيُّوم في مصر وتلقَّى تعليمه في جامعة الأزهر الإسلامية في القاهرة، وأضفى الطابع المؤسساتي على الإسلام الأصولي بجعله الإسلام السني دين الدولة في عام 1994، وحظر الممارسة العامة للأديان الأخرى في عام 1997. في عام 2008، قرَّر «مأمون عبدالقيُّوم» الدعوة لانتخابات رئاسية ديمقراطية لأول مرة، وفيها خسر رئاسته. انتهى الانفتاح الديمقراطي قصير الأمد اللاحق بانقلاب في عام 2012. في ظل الحكومة الديكتاتورية لـ»عبدالله يمين» الأخ غير الشقيق لـ»قيُّوم»، نما تأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة، واستحقت جزر المالديف أن تنال درجة امتياز مريبة، إذ أصبح البلد صاحب أعلى نسبة من المقاتلين الأجانب حول العالم الذين ينخرطون في تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. كما هو الحال في عديدٍ من البلدان الإسلامية الأخرى في أرجاء المعمورة، اشتدَّ عود التطرُّف الإسلامي في البلاد إلى حدٍّ كبير بعودة الطلاب من الجامعات والمدارس الإسلامية المتطرِّفة في دول مثل: (المملكة العربية السعودية، وباكستان، ومصر).
لا تتمتَّع جزر المالديف بحرية دينية: يجب أن يكون جميع المسؤولين المنتخبين من المسلمين السنة ولا يمكن لغير المسلمين أن يصبحوا مواطنين. ويستند التشريع القانوني جزئياً إلى الشريعة والذي ينصُّ على العقوبة الجسدية، من بين أمور أخرى، نحو: (الزنا، والشذوذ الجنسي). كما أنَّ جزر المالديف واحدة من بين الدول العشر في جميع أنحاء العالم  -جميعها مسلمة- إذ يُعاقب بالإعدام على مَن يرتدُّ على الدين أو يُلحد. ومن ثَمَّ، لا عجبَ في أن تحتلَّ جزر المالديف المرتبة الثانية في العالم في قائمة الدول التي تغيب فيها الحريات الدينية في كلٍّ من مؤشِّر الحريات الدينية، الذي أعدَّه عالما الاجتماع الأمريكيان «للدين بريان جريم، وروجر فينك»، ومؤشِّر الاضطهاد الديني الذي عمل على تصنيفه عالم السياسة «جوناثان فوكس». وحدها المملكة العربية السعودية هي مَن يكون فيها الوضع أسوأ، فيما يتعلَّق بحقوق الأقليات الدينية، وَفْقاً لكِلا المؤشِّرين. في كِلا المؤشِّرين، ثمانية من البلدان العشرة التي تعاني من أكبر اضطهاد ديني وانعدام الحريات هي ذات أغلبية مسلمة.

لقراءة المزيد اضغط هنا