محمد كريم الخاقاني، باحث في الشأن السياس، العراق.

ستكون كل الملفات الشائكة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية مطروحة على طاولة المباحثات المرتقبة في الأيام المقبلة من شهر حزيران للعام الحالي، وبات من الضروري مناقشة مختلف الملفات السياسية والإقتصادية والأمنية، إذ إن الأهمية ذات الأوجه المتعددة الجيوسياسية والاقتصادية التي حظي بها العراق جعلت منه موضع الاهتمام الأمريكي، فالسيطرة عليه تعني التحكم بمفصل جغرافي مهم في المنطقة وما حولها، والسيطرة على نفطه يعطي للولايات المتحدة فرصة التحكم بمتغير استراتيجي اقتصادي مؤثر، فضلاً عن أن احتوائه يعني احتواء دوره السياسي الفاعل في المنطقة [1]، هذه الأهمية للعراق في مدرك الاستراتيجية الأمريكية تجعله مؤهلاً في حال وظفت بنحو مثالي وسنحت الفرص لتمرير أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها عبر المصلحة العراقية مع الجانب الأمريكي على وفق قاعدة التبادل المشترك للمصالح بين الطرفين[2]، ولا بدّ من إعادة تقييم شامل لمستويات العلاقة الثنائية بين البلدين ولاسيما بعد تسنم الكاظمي رئاسة الوزراء، إذ ورث عدة ملفات وتراكمات من الحكومة السابقة ينبغي معالجتها ووضع الحلول المناسبة لتجاوز الأزمات التي عانى وما يزال يعاني منها العراق، ومن أبرز تلك الملفات هي ملف وجود القوات الأجنبية، وضرورة إخراجها جدياً ولاسيما بعد التداعيات التي مر ذكرها، والجدير ذكره أن العراقيين ينقسمون بشأن هذا الموضوع قسمين: الأول يدعو إلى إنهاء ملف وجود القوات الأجنبية ومنها الأمريكية على الأرض العراقية؛ لعدم وجود مسوغ حقيقي لبقائها ولاسيما أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الطرفين لا تعطي الحق للولايات المتحدة في التدخل متى ما أرادت ذلك، ولا تلزمها بشيء؛ ونتيجة للتدخل الأمريكي الواضح في عملية المطار وما تمخض عنه من اغتيال قائدين من الذين ساعدوا بنحو فاعل في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي وهما أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني؛ وعليه صوّت مجلس النواب العراقي على قرار إخراج القوات الأجنبية من العراق على الرغم من مقاطعة ممثلي الشعب من المكونين السني والكردي لتلك الجلسة؛ وبالتالي لا بدّ من تنفيذ هذا القرار كونه صدر على وفق قاعدة النصف زائد واحد [3]. أما المعسكر الثاني فهو ضد إخراج القوات الأجنبية من العراق في هذا الظرف العصيب تحديداً، إذ ما يزال العراق بحاجة ماسة لوجود تلك القوات، وتقديم الدعم والإسناد المطلوب لتعقب تنظيم داعش، وتزويد البلاد بالمعلومات المطلوبة، ويستند اتباع هذا الرأي إلى كون أن تلك القوات جاءت إلى العراق بناءً على طلب الحكومة العراقية وشكلت قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وهي تقدم خدمات عسكرية عبر تزويد القوات العراقية بتحركات المجموعات الإرهابية؛ وبالتالي لا يمكن إخراجها من العراق إلا بعد طلب رسمي من الحكومة العراقية.

وفي ضوء تلك التداعيات التي أعقبت قرار مجلس النواب بإخراج القوات الأجنبية من العراق، وبعد تزايد الهجمات الصاروخية التي استهدفت معسكرات القوات الأمريكية في التاجي وكركوك وعين الأسد، عملت الولايات المتحدة على نقل قواعدها العسكرية إلى أربيل في إعادة انتشار واضحة لعديد قواتها ومحاولة منها على عدم استهدافها مرة أخرى من قبل الجهات الرافضة لوجودها أصلاً؛ وتعزيزاً لذلك الأمر فقد نشرت الولايات المتحدة في قاعدتي عين الأسد وحرير منظومة الصواريخ الدفاعية باتريوت لتفادي استهداف قواعدها ولاسيما بعد قرار التصويت على إخراج القوات الأجنبية من العراق.

وقد استدعت هذه التداعيات تقييماً شاملاً لمجمل العلاقة الثنائية بين العراق والولايات المتحدة على شكل دعوة رسمية من قبل وزير الخارجية مايك بومبيو إلى العراق لتحديد موعد انطلاق الحوار الاستراتيجي بين الطرفين[4]، وستكون تلك المباحثات برئاسة ديفيد هيل الرجل الثالث في وزارة الخارجية الأمريكية، بينما سيكون الوفد المفاوض العراقي برئاسة الوكيل الاقدم وزارة الخارجية العراقية الدكتور عبد الكريم هاشم وعضوية مختصين في مختلف الموضوعات والملفات التي ستطرح في الحوار العراقي-الأمريكي.

وفي ضوء ما تقدم، يمكن أن نحدد أبرز موضوعات الحوار المرتقب بين الطرفين، إذ يتصدرها الملف الأمني وما يشكله من تداعيات خطرة ومؤثرة على العراق ولاسيما بعد تزايد نشاط خلايا داعش الإرهابي وبالخصوص في المناطق شمال غرب بغداد والمناطق الغربية منه، إذ استهدفت تلك العصابات الإجرامية -ولاسيما في شهر نيسان وأيار الماضيين- القوات الأمنية العراقية بالعديد من الاعتداءات أسفرت عن إستشهاد عشرات من أفراد القوات العراقية؛ وبالتالي لا بدّ من الوصول إلى صيغة مقبولة من الطرفين؛ لإعادة تعزيز التنسيق المشترك بين الطرفين؛ من أجل إبعاد خطر تنظيم داعش الإرهابي وتعقب أفراده في تلك المناطق، وسيعطي الاتفاق بشأن وجود القوات الأجنبية والتنسيق مع القوات العراقية بشأن كيفية دعمها وتزويدها بالمعلومات الضرورية، وتحسين قدراتها الدفاعية والهجومية؛ لتأمين المناطق التي تتعرض باستمرار لهجمات من قبل تنظيم داعش الإرهابي.

وسيُناقش كذلك الملف الاقتصادي وتداعياته المؤثرة على العراق، إذ يعاني البلد من انعكاس الانخفاض المتزايد لأسعار النفط وآثاره السلبية على مجمل الفعاليات الاقتصادية، إذ يعتمد العراق بنسبة 90% على تصدير النفط، وبالتالي أي انخفاض لأسعاره سيكون كارثياً ويمكن تلمس آثار تلك التداعيات مع صعوبة إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2020، إذ تراجعت أسعار النفط دون 30 دولاراً للبرميل، وهذا ما ترك أثره السلبي على تغطية مجمل النشاطات في البلد، إذ تأثرت جميع القطاعات الإقتصادية بذلك الانخفاض مع توصل مجموعة الدول المصدرة للنفط أوبك لاتفاق يقضي لتقليل النسبة المقررة لكل دولة من حصتها، وكانت حصة العراق من ذلك التخفيض مليون برميل[5]، وهذا ينعكس بنحو كبير جداً على الواردات المتوقعة له في سوق النفط العالمية، ويمكن أن تكون البوابة الاقتصادية الأمريكية فرصة للعراق يمكن أن توظف من أجل تعزيز روابط العلاقة بين البلدين لتعد أساس التوازن المطلوب في هذه المرحلة بحيث لا تضر بعلاقات العراق مع محيطه الإقليمي، وهو بالتأكيد سيكون مفتاحاً لتوقيع اتفاقيات شراكة  تخص استثمارات في مختلف القطاعات مثل: الطاقة والإعمار والتعليم والصحة وغيرها، وهذا ما يزيد من عمق العلاقة بين الدولتين وفي النهاية تعود بالفائدة لكليهما[6]، وسيبحث الحوار الاستراتيجي الملف السياسي، إذ يمر البلدان بمنعطفات سياسية خطيرة لا بد من طرح الرؤى لتعزيز أسس التعاون بينهما ولاسيما بعد تصاعد التصارع بين الولايات المتحدة وإيران على الأرض العراقية بعد تأريخ 3 من كانون الثاني 2020 وما ترتب عنه من خطوات ومطالبات بانسحاب جميع القوات الأجنبية من أرض العراق، إذ تترك هذه الأبعاد السياسية آثارها على شكل العلاقة القائمة بين الطرفين ولاسيما للعراق، وفي الملف السياسي أيضاً يمكن للمفاوض العراقي أن يستثمر فرصة المباحثات الثنائية في تعزيز صورة الدولة العراقية من جديد، والحصول على دعم متزايد من قبل الجانب الأمريكي، وتشجيعه للعملية السياسية عبر تزايد مكانة العراق للولايات المتحدة وأهميته بإدراك موقعه الاستراتيجي المهم لها، إذ يمثل العراق موقعاً لا غنى له في الاستراتيجية الأمريكية على الصعيدين الإقليمي والدولي، إذ يمثل هذا الإدراك الأمريكي نقطة الانطلاق للمفاوض العراقي واستثماره بأفضل الوسائل الممكنة، وبما يعود بالفائدة على العراق، فيمكن للعراق في هذه الحالة، طرح فكرة الاعتماد على حليف كالولايات المتحدة في المحافل الدولية، مع تنويع شركاء فاعلين كروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، إذ ستوفر فكرة الحليف الأمريكي للعراق الكثير من المنافع المرتقبة، منها أن العراق سيحافظ على أمنه الذي يتعرض بنحو متكرر للخطر كما حدث عام 2014 حينما  استطاعت عصابات داعش من احتلال ثلاث محافظات عراقية وتهديدها لإقليم كردستان، فضلاً عن العاصمة بغداد؛ لذا من الممكن في جو المباحثات الثنائية أن يتم التطرق إلى وسائل دعم العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بوسائل مختلفة سياسية واقتصادية وأمنية للحفاظ على متطلبات العلاقة الثنائية.

تدرك الولايات المتحدة جيداً بإنها ما تزال بحاجة للعراق كأهمية جيوبوليتيكية استثنائية، إذ يعد العراق حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية، واحتواء المخاوف التي تثيرها بين مدة وأخرى الدول الإقليمية مثل: إيران، وتركيا، ووضع حد لطموحاتهما؛ وبالتالي اعتماد التوازن المطلوب لمواجهة مشاريعهما؛ وهذا يعني تنشيط الدور العراقي المرتقب إقليمياً في تلك المنطقة التي تعاني أصلاً من اضطرابات مستمرة، فضلاً عن إمكانية تحويل تلك الأهمية المتزايدة للعراق في نظر الولايات المتحدة إلى فرص تعود بالفائدة عليه مثل دعم اقتصاد البلد الذي يعاني من اختلالات واضحة؛ نتيجة تدني أسعار النفط، وبيعه؛ وهذا بدوره أثر على الموازنة العامة.

ويمكن القول إن توصل العراق إلى مناقشة اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية هو إنجاز جديد يحسب له في ظروف تطورات الأوضاع في المنطقة، إذ يساعد ذلك في استعادة مرتقبة لدور إقليمي جديد يتلاءم والمكانة التي يحظى بها البلد في الاستراتيجية الأمريكية.


[1] خالد محسن جابر اليعقوبي، السياسة الأمريكية تجاه العراق وإنعكاساتها الإقليمية والدولية بعد نيسان ٢٠٠٣،الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط١، ٢٠١٣،ص ١٩٨.

[2] علي اغوان، دروب ودلالات جديدة في العلاقات العراقية-الأمريكية “عهد الرئيس دونالد ترامب”، مجلة ابحاث إستراتيجية، مركز بلادي للدراسات والابحاث الإستراتيجية، بغداد، العدد١٤، ٢٠١٧،ص ١٠٨.

[3] https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/1/5-

[4] https://www.rudaw.net/arabic/middleeast/iraq/0704202017

[5] https://arabic.rt.com/business/1103871

[6] علي اغوان، مصدر سبق ذكره، ص ١١٢.