حان الوقت لاغتنام الفرصة الكامنة في الجائحة على صعيد السياسات

ينبغي للعراق الخروج فوراً من الحيرة والتعثّر في مواجهة أزمة كورونا، واختيار المسار الصحيح؛ عبر إنهاء تضييع الفرص، وتلبية متطلبات العلم والعقلانية القائمة على العلوم الطبية. يجب أن ندرك بأن هناك تهديداً يكمن في المرض المزمن، وربما يمكن للبشرية أن تشهد في مرحلة ما بعد كورونا عالماً مختلف من أي وقت مضى.

وإن الوضع السياسي في حيرة هذه الأيام، حيث لدى سياسيينا أيضاً حيرة استراتيجية في مواجهة أزمة كورونا. لو ألقينا نظرة على التصريحات المختلفة والمتناقضة التي أدلى بها كبار المسؤولين العراقيين في البلد، ستتضح كل الوضوح لنا هذه الحيرة الاستراتيجية.

يعد الفهم الضمني أمراً حيوياً للاستراتيجية ووجهة النجاح، وفي الأيام التي نتعرض فيها لإخفاقات سياسية؛ بسبب تعيين رئيس وزراء جديد، ينبغي ألّا نحوّل هذا الإخفاق السياسي داخل البلاد إلى أزمة أعمق وانقسام اجتماعي؛ بسبب التسويف والحلول غير العلمية لمواجهة أزمة كورونا. يمكن لأزمة كورونا إلى جانب التحريكات الداخلية والخارجية أن تؤدي دون قصد إلى جعل البلاد تواجه خطر استنفاد ما تبقى من القدرات الاستراتيجية في البلد.

اليوم، ليس فقط المجتمع العراقي وإنما البشرية بأكملها تواجه أزمة جائحة كورونا، في حال لم تؤخذ على محمل الجد ولم يكن هناك حل منسق لها على مستوى المطلوب؛ فيمكن أن تسبب أضراراً مدمرة في العراق. إن سيولة توسّع رقعة كورونا كبيرة بحيث يضطر العالم عاجلاً أم آجلاً إلى الرضوخ للحجر الصحي المتزامن في مواجهة تهديدات أزمة كورونا، ولكن حتى ذلك الحين، لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أو أن نقوم بتضييع الفرص عبر اتخاذ القرارات المؤقتة ونساعد عملياً في توسيع رقعة انتشار الجائحة. لقد رأينا من السياسيين من عدّ جائحة كورونا على أنها تضخيم إعلامي يهدف إلى زعزعة أمن البلاد واستقرارها، ها هو اليوم يطبق الحجر الصحي شبه الكامل في مدينته. ماذا يمكننا أن نقول عن كل هذا التضييع للفرص والتردد في اتخاذ القرارات الصائبة. ماذا يمكننا أن نقول عن العقلية التي تحاول إخفاء نقاط ضعفها عبر وهم نظرية المؤامرة.

تعدُّ الأزمات اختباراً للأنظمة السياسية، وتتضح فاعلية وكفاءة الحكومة الحديثة في كيفية التعامل مع إدارة الأزمات. لكن طريقة إدارة هذا الحل إلى الآن لا ترقى إلى مستوى المعايير المطلوبة. نظراً للظروف الراهنة، لا شك أن البقاء في البيت هو أفضل الوقايات للناس في مواجهة أزمة جائحة كورونا، وعلى هذا الأساس يجب تطبيق إجراءات الحجر الصحي وتلبية متطلبات ذلك. إلى جانب ذلك يجب العمل على اتخاذ إجراءت وقائية وتوعية المجتمع برمته، والتعايش مع هذه الجائحة لمدة طويلة قد تدوم أكثر من الشهر وقد تصل إلى سنة.

هناك من يعتقد أن جائحة كورونا ناجمة عن هجوم بيولوجي ونتيجة لعداء بين الحكومات. وتبني العداء للولايات المتحدة إلى جانب الجائحة من جهة والتوجة إلى الأطراف الإقليمية من أجل المساعدة في إيجاد حل أمثل، ليس فقط فيما يتعلق بجائحة بكورونا، ولكن فيما يتعلق بجميع المسائل المتعلقة بالسياسة والاقتصاد؛ لذا يجب تلبية المتطلبات الناتجة عن لعبة القوة والعلم. ينبغي للعراق مواجهة كل الأزمات بما في ذلك جائحة كورونا أيضاً أن يعمل في سياق مصلحة البلد التي تقوده إليها الحكمة، كي يصون كرامتة واقتداره في المستقبل.

إن جائحة كورونا ليست قضية أمنية، لكن جميع الحكومات المتأثرة بأزمتها تتعامل معها كقضية أمنية. والنقطة هنا هي أن الفرق يكمن في حجم هذا التعامل الأمني ويعتمد ذلك أيضاً على كيفية دائرة الخطوط الحمراء وشفافية الحكومات. وبما أن كورونا ليست مشكلة أمنية ولا يمكن مواجهتها عبر حل أمني، ستزيد جميع الحكومات من شفافيتها عاجلاً أم آجلاً وسوف تلبي متطلبات العلوم الطبية في مواجهة الجائحة. وبطبيعة الحال، قد تربط بعض الحكومات كورونا بالمخلوقات الفضائية، ولكن عندما تنحني ظهور هذه الحكومات تحت أثقال الضرر الناجم عن كورونا، ستتجه نحو اعتماد المعرفة والمنهج العلمي.

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز، وأنما تعبر عن وجهة نظر كتابُها