محمد كريم الخاقاني، باحث في الشأن السياسي.

لم تتمكن الكتل السياسية العراقية من الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء في ظل تطورات الأوضاع في العراق، وتأزم المواقف بشأن تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة منذ شهر تشرين الثاني 2019. وزاد من تعقيد المشهد دخول المتغير الشعبي في المعادلة السياسية الذي كان مغيراً لكل أصول اللعبة السياسية في العراق بعد عام2003؛ وبالتالي صعوبة تجاهل أثره، لا سيما إثر المظاهرات الاحتجاجية في الاول من تشرين الاول من العام الماضي. فتحت ضغط هذا المتغير الشعبي استقالت حكومة عادل عبد المهدي وبقيت حكومة تصريف أعمال يومية لحين التوافق السياسي على اسم واحد لرئاسة الوزراء يكون مقبولاً من ساحات التظاهر.

ولم تسفر المناقشات بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي العراقي عن نتيجة تذكر بشأن حسم الترشيح، على الرغم من تكليف السيد محمد توفيق علاوي في بداية شباط الذي سعى إلى الخروج بأفضل الحلول الممكنة لتجاوز أزمة العملية السياسية إلا أنه اصطدم بعدم انعقاد مجلس النواب ولمرتين؛ من أجل تحقيق النصاب المفترض لنيل حكومته ثقة أعضائه؛ ليقدم المكلف علاوي اعتذاره لرئيس الجمهورية برهم صالح في بداية آذار، أي بعد شهر من التكليف وحسب المدة المقررة له دستورياً؛ لتدخل الكتل السياسية من جديد في مناقشات ومشاورات جديدة للتوصل لمرشح متفق عليه وخلال 15 يوماً من اعتذار المكلف السابق. ورغم ذلك ايضا لم تتمكن تلك القوى السياسية الشيعية -التي اتفقت على تشكيل لجنة سباعية منها- من تقديم اسم مرشحها للمنصب، وبعد فشل اللجنة السباعية، قدم رئيس الجمهورية مرشحه “عدنان الزرفي” عضو مجلس النواب ورئيس كتلة النصر فيه.

 وبعد إعلان تكليف السيد عدنان الزرفي، قوبل الأمر برفض كتل شيعية رئيسة التي عدت خطوة رئيس الجمهورية تجاوزاً على الدستور وخرقاً لمواده؛ وبالتالي أخذت تلك الخطوة منحنياً آخر في اشتداد الصراع بين القوى السياسية حول أحقية رئيس الجمهورية بتكليف الزرفي بتشكيل حكومة من دون موافقة الكتلة الاكثر عددا.

وبصرف النظر عن الجدل القانوني الدائر بين القوى السياسية الشيعية ورئيس الجمهورية، فإن الواقع العملي شهد بالفعل تكليف الرئيس لمرشح جديد وهو بإمكانه عمليا تشكيل حكومته إذا ما حاز ثقة مجلس النواب، وهذا يعتمد بالدرجة الأساس على مدى قدرته على جمع القوى السياسية بمختلف توجهاتها.

لقد حدد عدنان الزرفي في بيانه الأول إلى الشعب العراقي رؤيته للمرحلة المقبلة ومن أهمها: الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة؛ استجابة للمطالب الشعبية، وكذلك تعزيز المكانة المفترضة للعراق في المحيط الإقليمي والدولي، وذلك عبر إقرار سياسة خارجية فاعلة، وحصر السلاح بيد الدولة، وغيرها من الخطوات؛ من أجل تنفيذ برنامجه الحكومي للمرحلة المقبلة.

وفي أبرز ما يمكن الإشارة إليه من مسارات تشكيل حكومة عدنان الزرفي ما يأتي:

  1. إن القوى الشيعية الفاعلة في المشهد السياسي العراقي كتحالف الفتح ودولة القانون وصادقون رافضة حتى الآن تكليف الزرفي مهمة رئاسة الوزراء، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه القوى تختلف في شدة رفضها للزرفي. فمنهم من ترفضهُ رفضاً قاطعاً بداعي انحيازه للمحور الأمريكي، في حين لم تخف بعض هذه القوى بأنها لا مشكلة جوهرية لديها مع الزرفي، الا انها ترفض آلية التكليف من قبل رئيس الجمهورية. وهذه القوى الاخيرة تحديداً تخشى ان تتحول قضية تكليف الرئيس “لمن يشاء”، إلى عُرف في العملية السياسية، يعطي للقوى غير الشيعية ما هو ليس من شأنها أو من حصّتها بحسب الاعراف التي درجت عليها العملية السياسية منذ 2003.
  2. بعض القوى الشيعية الأخرى كتحالف النصر أشار الى عدم رفضه المكلف الزرفي بل هو مع تجاوز الأزمة السياسية، لكنه في الحقيقة يعد تحالف النصر من الداعمين الاساسيين للزرفي في المفاوضات الجارية.
  3. تحالف سائرون وهو الكتلة الأكثر عدداً داخل مجلس النواب بعدد 54 نائباً اشار ايضاً إلى عدم رفضه تكليف الزرفي؛ وبالتالي هو كتحالف النصر يدعو لإعطائه الفرصة لقيادة البلد في المرحلة المقبلة؛ وبذلك هو لا يزال يشكل عنصراً مهماً داعماً لعملية التكليف. وبهذه الخطوة يريد تحالف سائرون التأكيد على استمرارية تأثيره على العملية السياسية، على الرغم من اخفاقه في تمرير محمد توفيق علاوي في المرحلة السابقة.
  4. تحالف القوى السنية لم يبد موقفاً رافضاً للمكلف الزرفي على العكس من المكلف السابق محمد توفيق علاوي، فالقوى السنية على ما يبدو بانتظار تجلي الموقف من قبل القوى الشيعية اولا، كما انها بانتظار ما سيقدمه الزرفي من برنامج وطريقة في إدارة مفاوضات تشكيل الحكومة على ان يبدي مرونة في اقتسام السلطة وفق منظور القوى السنية.
  5. التحالف الكردي مبدئياً على استعداد بقبول تكليف الزرفي في حال استجاب لمطالب المكون الكردي المتمثلة بحصة الإقليم من الموازنة، وتصدير النفط، فضلاً عن المناصب الحكومية استناداً للتمثيل المكوناتي الكردي. لكن الموقف الكردي ايضاً يرى من مصلحته استمرار المعادلة المكوناتية التي طبعت العملية السياسية منذ 2003، وهي بالنتيجة ترغب بموقف شيعي واضح يتبنى الزرفي، قبل أن تقر بشكل نهائي بقبولها الدخول بحكومته.
  6. وعلى ما يبدو فإنه من الصعوبة تصوّر حصول اجماع شيعي على تكليف عدنان الزرفي، نظرا لتشظي توجهات القوى الشيعية حيال الأمر. ويبدو أن الزرفي بحاجة لإقناع ما لا يقل عن (50+1) من هذه القوى، فضلاً عن اقناع التحالف الكردي والقوى السنية لضمان نيل الثقة من مجلس النواب. وإن حصل هذا الاتفاق فإن حكومة الزرفي ستكون الأولى منذ 2003 تتشكل وفق قاعدة الأغلبية مع وجود معارضة واضحة له في البرلمان.
  7. لا يمكن إغفال التأييد الدولي الذي حظي به الزرفي فور تكليفه من رئيس الجمهورية، فعلى ما يبدو ترى واشنطن في تسميته فرصة لدفع توجهاتها في العراق والمنطقة. ومن جهة أخرى فإن غياب قائد فيلق قدس الايراني الجنرال قاسم سليماني عن الساحة العراقية، وانهمام طهران بهمومها الداخلية المتمثلة بوقعِ الحصار الاقتصادي والانتشار المفزع لوباء الكورونا، جعل من موقفها في المفاوضات الجارية بين القوى الشيعية امراً ثانوياً، ما سمح لهذه القوى بصياغة موقفها باستقلالية أكثر من أي وقت مضى.

إن الرغبة الامريكية المعلنة بتخفيف تواجدها في العراق، مع ما تمر به إيران، تعطي لأي حكومة عراقية قادمة فرصة حقيقية لبناء علاقات متوازنة معهما، واستعادة قدرة بغداد على صياغة تلك العلاقات بناء على مصالح البلاد الاقتصادية والسياسية.

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال أعلاه لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز، وأنما تعبر عن وجهة نظر كتابُها