د. ايمان عبد الحليم، باحثة في المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، مصر

تسبّب حادث مقتل قائد “فيلق القدس” بالحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، على الأراضي العراقية من جانب القوات الأمريكية، غضباً واسعاً داخل العراق ازدادت حدته بعد أن ردت إيران بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين عسكريتين تستضيفان جنوداً أمريكيين في أربيل والأنبار شمالي العراق وغربه؛ لتثير المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران المخاوف من تحول العراق إلى ساحة نزاع مفتوحة لتصفية الحسابات بين البلدين.

وكان ذلك سبباً لتصويت البرلمان العراقي بالأغلبية، في 5 كانون الثاني 2020 على قرار مكون من خمس فقرات أعدته الكتل السياسية واللجان المختصة لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، وكان من أبرز ما طالب به القرار:

  • إلزام الحكومة بالعمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية.
  • إلغاء طلب المساعدة المقدمة من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”.
  • مطالبة الحكومة بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد واشنطن بسبب انتهاكها لسيادة العراق.
  • دعوة الحكومة إلى “إجراء تحقيقات على أعلى المستويات لمعرفة ملابسات القصف الأمريكي وإعلام البرلمان بالنتائج خلال أسبوع”[1].

ومع تصويت البرلمان العراقي على القرار المذكور، شارك الآلاف من مؤيدي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر في مظاهرات واسعة للمطالبة بطرد القوات الأمريكية من بغداد، واعتبر الصدر النقاط التي طرحها البرلمان للتصويت بشأن الوجود الأمريكي “رداً هزيلاً” لا يتناسب مع الانتهاك الأمريكي، داعياً إلى تشكيل ما سمّاها “أفواج المقاومة الدولية”، رداً على انتهاك القوات الأمريكية للسيادة العراقية، على حد وصفه. وطالب الصدر البرلمان بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة وعدم الالتزام ببنودها، ودعا إلى إغلاق السفارة الأمريكية في العراق، وتجريم التواصل مع الحكومة الأمريكية والمعاقبة عليه، وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في البلاد[2].

ومن ناحيته، فقد أوضح الرئيس العراقي برهم صالح، في كلمة ألقاها خلال منتدى “دافوس” الاقتصادي، الذي انعقد في 22 كانون الأول 2020، أن “الصراع الإقليمي يهدد سيادتنا في نفس الوقت، ونحن في عين العاصفة”، مشدداً على أن العراق يسعى إلى علاقات جيدة مع الجميع، ومع الإشارة إلى أن “دعوة البرلمان لسحب القوات الأمريكية من البلاد ليست علامة على الجحود أو العداوة، بل إنها رد فعل على ما يراه الكثير من العراقيين انتهاكات لسيادة بلادهم”[3].

وكذلك طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقي عادل عبد المهدي من الولايات المتحدة وضع خطة لسحب قواتها المتبقية، مشيراً إلى أنه بات من الصعب على بغداد حماية هذه القوات، وذلك في كلمة له أمام مجلس النواب، حيث قال: إن شروط وجود القوات الأجنبية تنحصر بتدريب القوات العراقية، وأن هناك انعكاسات للصراع بين الولايات المتحدة وإيران على العراق[4]، وطالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بإرسال وفد لبحث آلية انسحاب القوات الأمريكية من العراق[5].

وعلى الرغم من المطالبات المشار إليها، كان لافتاً اتفاق الرئيس العراقي برهم صالح، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، خلال اجتماعهما على هامش منتدى “دافوس” الاقتصادي، على ضرورة الحفاظ على دور عسكري أمريكي في العراق، واتفاقهما على “أهمية مواصلة الشراكة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، ومن ضمنها قتال داعش، على وفق ما أكد بيان للبيت الأبيض، الذي لم يذكر أيّ رد للإدارة الأمريكية على مطلب وجهه برهم صالح لدونالد ترامب لأجل “خفض القوات الأجنبية في البلاد”[6].

وبالتزامن مع هذه الأحداث أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن الولايات المتحدة استأنفت عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات العراقية، بعد أن توقفت بمبادرة من واشنطن عقب مقتل سليماني، وأشارت إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تريد أن تستأنف في أسرع وقت ممكن تعاونها مع الجيش العراقي في مجال مكافحة تنظيم “داعش”[7].

أسباب التردد العراقي حيال مطلب خروج القوات الأمريكية من البلاد:

التخوف من عودة “داعش”: إذ إن هناك معلومات استخباراتية أكيدة تفيد بوجود الآلاف من الخلايا الداعشية النائمة تنتظر الفرصة الملائمة لاستعادة نشاطها من جديد، وقد تستغل فلول “داعش” الاضطراب السياسي والوضع العام للقيام بهجمات تكتيكية لتحقيق أهدافها، ولاسيما إذا ما تراجع دور التحالف الدولي في مواجهتها. وليس بالضرورة “داعش” نفسه، ولكن أي حركة إرهابية يمكن أن تأخذ دوراً في منطقة ضعيفة ومضطربة، وبخاصة أن الأجهزة الأمنية العراقية ومن دون الغطاء الجوي والمعلومات الاستخبارية الدولية، فإن قدراتها تبقى ضعيفة في مواجهة الجماعات المسلحة[8].

التحسب من تحقيق أهداف إيران: يرى بعضهم أن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية سيحقق أحد أهداف إيران الرئيسة في المنطقة، ومع الإشارة إلى أن إيران شنت هجوماً بالصواريخ الذاتية الدفع (الباليستية) على قاعدتين جويتين توجد فيهما قوات أمريكية في العراق، رداً على اغتيال الولايات المتحدة للقائد قاسم سليماني. واعتبر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أن الهجوم “صفعة على وجه” الولايات المتحدة، ودعا إلى إنهاء الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. وردد الرئيس الإيراني حسن روحاني كلام خامنئي، قائلاً إن “الرد النهائي” لاغتيال سليماني هو “طرد القوات الأمريكية من المنطقة”[9].

التأثير في التوازن المكوناتي بالعراق:هناك مخاوف لدى البعض في العراق -ولاسيما من جانب السنة والأكراد- من أن يتسبب خروج قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حدوث تمرد، وتقويض الأمن، وزيادة نفوذ الجماعات المسلحة الشيعية، وذلك حتى مع ما تشهده مناطق جنوب العراق ذات الغالبية الشيعية منذ أشهر من موجة احتجاجات مناهضة للحكومة. وحيث ترى بعض الأطياف في العراق، أن الولايات المتحدة بالنسبة للسنة والأكراد والأقليات هي ضابط إيقاع التوازنات مع الطرف السياسي الشيعي المسيطر على البرلمان والحكومة، ويرى محللون أنه في حال قررت الحكومة العراقية المضي في قرار إنهاء تواجد القوات الأجنبية، قد يسعى السنة إلى منطقة حكم ذاتي، على غرار إقليم كردستان في شمال العراق[10].

التهديد الأمريكي بالعقوبات: من العوامل ذات التأثير الكبير في تردد الحكومة العراقية في تنفيذ مطلب إخراج القوات الأجنبية من البلاد، هو تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض عقوبات على بغداد رداً على دعوة البرلمان العراقي إلى إخراج القوات الأمريكية. وقال ترامب إن العقوبات على إيران ستكون بجوارها شيئاً صغيراً، مؤكداً أن بلاده لن تغادر العراق إلا إذا تم دفع ثمن القاعدة الجوية الأمريكية هناك. وذلك فيما أعربت الخارجية الأمريكية عما أسمته الشعور بخيبة الأمل من دعوة البرلمان العراقي إلى إلزام القوات الأجنبية بالانسحاب من البلاد، وأضافت الوزارة في بيان أن واشنطن تحث بقوة زعماء العراق على وضع أهمية العلاقة الاقتصادية والأمنية مع أمريكا في الاعتبار[11].

وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة ربما تعلق حساب البنك المركزي العراقي، لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في نيويورك، في خطوة تؤثر بالسلب في قدرات الاقتصاد العراقي، إذ تجني البلاد إيراداتها من مبيعات النفط هناك، وتخرج هذه الأموال لدفع الرواتب والعقود الحكومية. ولفتت الصحيفة إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، احتفظ بنحو 3 مليارات دولار من الودائع في نهاية عام 2018، وفقاً لأحدث بيان مالي من البنك المركزي العراقي[12].

ومع الإشارة إلى أن المساعدات الأمريكية تؤدي دوراً مهماً في تعديل النظام المالي للعراق، من خلال الإسهام في تحفيز البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول الحليفة للمشاركة في برامج الإعمار والاستقرار، وكذلك حث الشركات الكبرى على الاستثمار داخل العراق، وقطع المساعدات الأمريكية على العراق يحول دون ذلك[13].

التأثير في تدريب القوات العراقية: مع العقوبات الاقتصادية التي يتوقع تطبيقها على العراق، في حال نُفّذت المطالب بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، فإن ذلك يرتبط على الجانب الآخر بتراجع المساعدات العسكرية المقدمة للعراق، ولاسيما في مجال تسليح العناصر الأمنية وتدريبها، وحيث تعد الولايات المتحدة المصدر الأساس لتسليح الجيش العراقي، وجهاز مكافحة الإرهاب، وقوات الشرطة الاتحادية، وتقنيات المراقبة والتجسس لدوائر المخابرات والاستخبارات والأمن الوطني. وإذا طبّق ترامب قراره بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية عن العراق، فإن ذلك سيخلق تداعيات على بنية المنظومة العسكرية، ويؤثر سلباً على إكمال تلك البنية وإعادة تأهيلها، بعد أن أنهكتها المعارك مع تنظيم “داعش”[14].

وكذلك فإن قوات التحالف الدولي الأمريكية والبريطانية والفرنسية والأسترالية والهولندية والإيطالية تقدم مهمات الاستشارة والتدريب للقوات العراقية؛ وبالتالي فإن انسحاب القوات الأمريكية يعني سحب هذه القوات، وحينها يصبح العراق غير قادر على تدريب قواته لأنه اعتمد اعتماداً كبيراً على قوات التحالف الدولي. والانسحاب سوف يؤثر كذلك على القوات الجوية التي تعتمد كثيراً على إمكانيات قوات التحالف؛لأن العراق لا يملك طيراناً كافياً، ولاسيما على الحدود سواء بين العراق وسوريا أو العراق وتركيا[15].


الهوامش

[1]- البرلمان العراقي يصوت لصالح طرد القوات الأمريكية، صحيفة القدس العربي، 5/1/2020.

[2]- موقع الجزيرة. نت، 6/1/2020.

[3]- موقع ايلاف الالكتروني، 22/1/2020.

[4]- موقع روسيا اليوم الالكتروني، 5/1/2020.

[5]- غازي أندرسون، ترجمة: علاء الدين أبو زينة، هل يجب أن تغادر القوات الأميركية العراق؟، https://alghad.com/، 15/1/2020.

[6]- ترامب وصالح يتفقان على الحفاظ على دور عسكري أمريكي بالعراق، https://www.dw.com/ar، 22/1/2020.

[7]- نيويورك تايمز: أميركا تستأنف عملياتها العسكرية مع العراق، https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1313099، 16/1/2020.

[8]- صحيفة الشرق الأوسط، 7/1/2020.

[9]- موقع بي بي سي العربية، 8/1/2020.

[10]- هل يسعى سُنّة العراق إلى المطالبة بمنطقة حكم ذاتي في حال إنهاء الوجود العسكري الأمريكي؟، إذاعة مونت كارلو الدولية، 22/1/2020.

[11]- موقع الجزيرة. نت، 6/1/2020.

[12]- صحيفة العربي الجديد، 13/1/2020.

[13]- أزهر الربيعي، ماذا لو قطعت أميركا مساعداتها العسكرية عن العراق؟ موقع الجزيرة. نت، 21/1/2020.

[14]- المرجع السابق.

[15]- صحيفة الشرق الأوسط، 7/1/2020.