مقدمة

يعتمد الاقتصاد العراقي أساساً على الريع النفطي في تكوين مصادره الأساسية للدخل المالي، وهو ما باتت معه الدولة العراقية، تصنف اقتصادياً على المستوى الدولي من بين الدول ريعية الدخل، مثلها مثل العديد من الدول العربية النفطية، إلا أن العراق يشذ عن هذه الدول، في مؤشر قياس إسهام النفط في الناتج المحلي الإجمالي؛ فإذا كانت «مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية النفطية(بنحو عام) تراوحت ما بين 35 % إلى 40 %»، فإن القطاع نفسه في العراق، يتجاوز هذه النسبة بكثير؛ إذ «تشكل إيرادات النفط الخام 95 % من مجموع إيرادات الدولة، وهي تعد بحق العمود الفقري للاقتصاد العراقي».

وفي ضوء هذه الاعتمادية العراقية على الريع النفطي، فإن الحديث عن وجود مؤشرات راسخة ومتيقنة لظاهرة ما يسمى بــ(الهدر في منظومة النفط)، هو في حقيقته حديث عن تهديد مباشر للبنية الاقتصادية الأُم بهذا البلد، والذي يمثل النفط له رئته التي يتنفس بها، وعصاه التي يتوكأ عليها، خاصة إذا كانت هذه الظاهرة، مركبة ومعقدة، وتجمع بين ملامح الهدر المباشر في أصول وجذور عمليات الإنتاج النفطي من الناحية الفنية، فضلاً عن صور الهدر غير المباشر، ضمن إطار من عشوائية التخطيط وتراجع التوظيف الإيجابي للموارد النفطية المتنوعة، ومن الغريب أن ظاهرة الهدر المشار إليها، تتعاظم في قطاع الطاقة، الذي «يمثل القطاع الفرعي منه الخاص بالنفط ما يزيد على 65 % من إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من 90 % من الإيرادات الحكومية السنوية، و98 % من صادرات العراق».

وانطلاقاً من عمق التأثيرات السلبية لظاهرة الهدر هذه على الاقتصاد العراقي على وفق الأمد القريب والمتوسط والبعيد، فقد اهتمت هذه الدراسة بطرح موضوعها؛ رغبة في بحث أسباب هذه الظاهرة، وتحليل مؤثراتها ومتغيراتها المختلفة، عبر منهج استقرائي واستقصائي يميل إلى الرصد الرقمي والإحصائي، كلما أتاحت المعلومات والمؤشرات والبيانات الموثوقة ذلك، مع التسليم مسبقاً بصعوبة الوصول إلى مؤشرات نهائية ثابتة للعائدات المالية المهدرة بفعل الظاهرة محل الدراسة، وذلك كنتيجة منطقية لمحدودية الشفافية المعلوماتية على مستوى التعاملات النفطية، وخاصة في ظل ارتفاع معدلات الفساد المالي والإداري جنباً إلى جنب مع ضعف الرقابة والحوكمة المالية في العراق، الأمر الذي يولّد في الغالب «ظاهرة يسميها الاقتصاديون(لعنة الموارد)؛ إذ تكون بعض البلدان الغنية بالموارد الطبيعية هي الأسوأ أداءً من البلدان الأقل غنى، وخاصة في الشرق الأوسط الغني بالنفط؛ حيث تنامي الإخفاقات الاقتصادية الاجتماعية وشيوع اللامساواة الفاحشة».

لقراءة المزيد اضغط هنا