طالب جبارحسن، طالب دكتوراه كلية العلوم السياسية جامعة بغداد.

 زينب كاطع ناهض، ماجستير علوم سياسية جامعة بغداد.

ثارت في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية موجة تنديدات ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهت بإعلان بدء الإجراءات القانونية لعزله، جاء هذا القرار نتيجة اتهام ترامب بانتهاكه للدستور عبر السعي إلى الحصول على مساعدة دولة أجنبية لإيذاء خصمه الديمقراطي جو بايدن المرشح الديمقراطي للرئاسة في الانتخابات المقبلة، إذ أشارت مضمون مكالمة أجراها ترامب مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي طالباً منه إجراء تحقيق بشأن نشاط نجل جو بايدن المرشح الرئاسي اعلنت رئيسة مجلس النواب الامريكي الديمقراطية (نانسي بيلوسي) فتح تحقيق رسمي بهدف عزل الرئيس ترامب المشتبه بانتهاكه للدستور، وقالت بيلوسي إن “تصرفات رئاسة ترامب كشفت عن الحقائق المشينة لخيانة الرئيس لقسمه وخيانته لأمننا القومي وخيانته لنزاهة انتخاباتنا”.

بالرجوع إلى موقف المشرع الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن الدستور الصادر عام 1787 قد حدّد مسألة رئيس الدولة في ثلاث حالات بنص المادة (2/رابعاً) منه وكالآتي:

1- الخيانة وعدم الولاء.

2- الرشوة.

3- ارتكاب الجنح أو الجرائم الكبرى.

وقد عرفت الفقرة الثالثة من المادة (3) الخيانة العظمى بأنها شن الحرب ضد الولايات المتحدة أو المولاة لإعدائهم وتقديم العون والمساعدة لهم، ولا تجوز إدانة أي شخص بالخيانة إلا بناءً على شهادة شاهدين بوقوع العمل نفسه أو بناء على الاعتراف في محكمة علنية.

وعلى وفق الفقرة الرابعة من المادة (2) من الدستور، فللكونغرس سلطة عزل الرئيس ونائبه وجميع الموظفين المدنيين للولايات المتحدة من مناصبهم، وإدانتهم بعدم الولاء، أو الخيانة، أو الرشوة أو سواهما من الخيانات والجنح الخطيرة، وحينما يحاكم رئيس الولايات المتحدة يرأس الجلسة كبير القضاة، ولا يُدان أحد إلا بموافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين والأحكام التي تصدر في الاتهامات الخاصة بعدم الولاء، ولا ينبغي أن تتجاوز حد الإقصاء عن المنصب، وتقرير عدم الأهلية لتولي منصب رفيع، ولكن الشخص المدان إلى جانب ذلك هو عرضة للاتهام، فالمحاكمة، فالحكم، ثم العقاب على وفق القانون.

وهنا السؤال استناداً إلى هذا النص الدستوري هل تم عزل الرئيس الأمريكي في الحقب الزمنية السابقة؟

إن طريقة عزل رئيس الولايات المتحدة طويل، إذ تنصّ الفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور الأمريكي على أن مجلس النواب “يختار رئيسه والمسؤولين الآخرين، وتكون لهذا المجلس وحده سلطة اتهام المسؤولين”؛ لذا فإن العزل يبدأ من مجلس النواب، ويجب على المجلس أن يخوّل إحدى لجانه -وعادة ما تكون اللجنة القضائية للتحقيق في الشخص المعني-، وفي حال حددت اللجنة وجود أمر ما، فبإمكانها إعادة مواد العزل للمجلس ككل،؛ ليقوم بالتصويت بأغلبية بسيطة هذه الخطوة الاولى،فالفقرة الثالثة من المادة الثانية للدستور ترسل القضية برمتها إلى مجلس الشيوخ، إذ ينص الدستور على أن “لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين، وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار، وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة يرأس رئيس القضاة الجلسات، ولا يجوز إدانة أي شخص دون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين”، ويتضمن الجزء الخاص بمجلس الشيوخ في عملية العزل محاكمة يكون فيها النواب مدّعين عامّين، بينما يكون مجلس الشيوخ أعضاء بهيئة المحلفين ويجب أن يصوت ثلثاهم بالإدانة.

في تأريخ الولايات المتحدة تمت محاكمة اثنين فقط من الروساء الأمريكيين تحديداً منذ تأريخ التصديق على الدستور الأمريكي عام 1789 وحتى الآن، الأول هو (أندرو جونسون) الذي كان على خلاف كبير مع أعضاء الكونغرس، وقد تصدى مجلس الشيوخ لمحاكمة الرئيس، وبعد أسابيع من المداولات وتحري البيانات والشهادات قرر المجلس إجراء التصويت لاتخاذ قرار الإدانة أو البراءة، على وفق الدستور، إذ يشترط موافقة ثلثي الحاضرين في حالة الإدانة، وقد أصبحت عملية التصويت بمنزلة أعجوبة ، إذ نجا الرئيس من قرار الإدانة بفارق صوت واحد؛ لأنه كان يشترط لإدانة الرئيس تصويت 36 عضواً، بينما وافق 35 عضواً فقط، واعترض 19 عضواً آخرين، والثاني هو الرئيس (بيل كلنتون) عام 1998 الذي تعرض للاتهام من قبل مجلس النواب بعد تورطه بقضية (مونيكا ليونسكي)، واتهم بمسألتين هما: الحنث، وتقويض العدالة؛ إلا أن محاولة عزله باءت بالفشل، ونظراً لانقسام المجلس وتصويت 44 عضواً من الديمقراطيين لصالح رفض الاتهام أصبح الاستمرار بالمحاكمة غير مجدي لأن الحصول على موافقة ثلثي أعضاء المجلس للإدانة شبه مستحيل، ومن ثم اكتفى مجلس الشيوخ بتوجيه اللوم للرئيس بيل كلينتون بدل عزله؛ وبالتالي يلاحظ أن النتيجة هي إفلاتهم من الإدانة وبراءتهم من التهم المنسوبة إليهم؛ لعدم اكتمال النصاب القانوني للإدانة، وعلى الرغم من مرور أكثر من 130 عاماً ما بين المحكمة الأولى والأخيرة، وهذا مؤشر على عدم الثقة بالمحاكم الأمريكية في محاكمة رؤسائها.

 والجدير بالذكر أنه في عام 1974 تعرض الرئيس (نيكسون) للاتهام بعد تورطه بقضية (ووترغيت)، ومن أجل تلافي نتائج الاتهام الجنائي قرر الرئيس نيكسون الاستقالة من منصبه، وهي العقوبة التي يقتضيها الدستور في حالة الإدانة؛ وبذلك يلاحظ أن الإرادة السياسية تتغلب دائماً على النص الدستوري ليس في هذه الحالات فقط بل على الرغم من الاتهام الذي وجه للرئيس جورج بوش الابن وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني من قبل تقرير (جون شيلكوت) بشأن غزو العراق والمطالبة بمحاكمتها كمجرمي حرب بعد ارتكابهما جريمة وخطيئة غزو العراق، واستناداً إلى الدستور الأمريكي لا يمتلك الرئيس الأمريكي صلاحية إعلان الحرب وإن هذه الأمور هي من صلاحيات الكونغرس الامريكي وهذا انتهاك من قبل الرئيس الأمريكي وجريمة ينص عليها الدستور، وتضمن تقرير (جون شيلكوت) أيضاً (29) رسالة سرية في المذكرات السرية بشأن حرب العراق بين بلير وبوش تكشف عن كثيرٍ من خبايا التحضيرات بين لندن وواشنطن خلال الاشهر التي سبقت حرب العراق.

والجرائم التي يجب محاكمة جورج بوش وتوني بلير عليها هي: الكذب بادعاء وجود (7) أسلحة نووية في العراق، وخوض حرب بلا سند دولي، وارتكاب جرائم حرب، ونشر الإرهاب والتمهيد لظهور داعش، وإخراج العراق من التأريخ، وعلى الرغم من إثبات هذه الجرائم من قبل اللجان الخاصة، إلا أنه يلاحظ صمت المجتمع الدولي ممثلاً بمنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولي عن جرائم الرئيس الأمريكي جورج بوش على الرغم من تصريح كوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة آنذاك بعد دخول الجيش الأمريكي إلى بغداد، إذ قال إن هذا الغزو منافٍ لدستور الأمم المتحدة، وكان هذا مطابقاً لرأي السكرتير العام الأسبق للامم المتحدة بطرس غالي، وتصريح وزير العدل البريطاني في مذكرته بتأريخ (28/4/2005) التي نصت على أن أي حملة عسكرية هدفها تغيير نظام سياسي هو عمل غير مشروع، وكذلك صمت المجتمع الأمريكي حكومةً وشعباً على الجرائم التي ارتكبها الرئيس جورج بوش بحق العراق على الرغم من مسؤوليته حسب ما نص عليه الدستور الأمريكي في الفقرة (1) و(2)؛ لتتغلب بذلك الإرادة السياسية على النص الدستوري.

وبهذه التجارب التي ذكرتها الورقة هنالك تساؤل هو: هل سيتغلب النص الدستوري على الإرادة السياسية في عزل الرئيس الأمريكي ترامب، وبالقيام ببعض الحسابات يجب أن يصوت ثلثا الحاضرين بالمحاكمة بالإدانة، ويجب أن يكون عددهم (67) سيناتوراً على الأقل، وبالتقسيم الحالي للحزب فإن هذا يعني أن على (20) سنياتوراً جمهورياً أن يصوت لإدانة ترامب على افتراض أن كل الديمقراطيين سيصوتون لصالح ذلك أيضاً، فهل سيصبح ترامب الأول في هذا الصدد؟ بينما لم يحدث في تأريخ أمريكا أن أطيح برئيس عبر المحاكمة في الكونغرس، وقد يكون هذا الإجراء من قبل الديمقراطيين في مصلحة ترامب، إذ سيسمح لترامب والجمهوريين في الكونغرس بالقول إن خصومهم يعرقلون عمل الرئيس من أجل تحصيل انتصار حزبي مع اقتراب موعد الانتخابات؛ وبالتالي يزيد هذا من حظوظ الرئيس الأمريكي في مساعيه للحصول على ولاية ثانية.


 المصادر                                                                     

– حمد ياسين محمد، الكونغرس والنظام السياسي الأمريكي، ط1، دار اسامة للنشر والتوزيع، الأردن، 2008.

– حميد حنون خالد، العلاقة بين الرئيس الأمريكي والكونغرس، مجلة كلية الحقوق، العدد (10)، جامعة النهرين، 2007.

– ميثم حنظل شريف، انتصار حسن عبد الله، اتهام ومحاكمة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية، مجلة العلوم القانونية، عدد خاص، جامعة بغداد، كلية القانون، 2017.

– كرار علي، زهير خضير، ستار شدهان الزهيري، محاكمة رئيس الدولة في النظام السياسي الأمريكي، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، العدد (31) جامعة واسط، 2018.

– بيلوسي: الكونغرس سيبدأ اجراءات عزل الرئيس الأمريكي، على الموقع الإلكتروني في 24\9\2019.

https://www.alhurra.com

– بدء عزل ترامب.. كل ما تحتاج لمعرفته عن الاجراءات، على الموقع الإلكتروني في 25\9\2019 https://arabic.cnn.com

– يمكن عزل الرئيس في أمريكا، على الموقع الإلكتروني في 25\9\2019 https:\\www.bbc.com  .

 – عزل ترامب: هل تنجح مساعي الديمقراطيين في عزل الرئيس الامريكي، على الموقع الالكتروني في 26\9\ 2019 https:\\www.bbc.com  .